رسم الفنان الإيطالي ليوناردو دافنشى لوحة العشاء الأخير قرب نهاية القرن الخامس عشر لكنها أثارت الجدل على مدار سنوات بعد رسمها على جدران كنيسة سانتا ماريا ديلى جراسى ورحيل صاحبها، خاصة بعدما نشر دان براون روايته الشهيرة "شفرة دافنشي".
ولابد أولاً أن نعرف أن سانتا ماريا ديلى جراسى هي كنيسة في دير الدومينيكان في ميلانو، وتقع شمال إيطاليا، وأنها مدرجة في قائمة مواقع التراث العالمي لليونسكو حيث تحتوي الكنيسة على جدارية العشاء الأخير لليوناردو دافنشي، والتي هي في غرفة الطعام في الدير.
أول أسرار هذه اللوحة أن دافنشى لم يستعمل تقنية الفريسكو في هذه اللوحة بل لجأ إلى التلوين المباشر على الحائط وذلك لكي يحصل على حرية أكبر في تنويع الألوان وأدى ذلك إلى سرعة تلف اللوحة واحتياجها إلى عمليات ترميم متعددة كان أولها بعد عشرين عاما فقط من إنهائها.
أثارت هذه اللوحة الكثير من التساؤلات عن شخصية ليوناردو دافنشي حيث تحتوي العديد من العناصر التي لا تنتمي إلى المفاهيم المسيحية التقليدية التي رسمت اللوحة أساسا للتعبير عنها.
ويعتقد البعض أن هذه اللوحة ضمن العديد من أعمال دافنشي تحتوي على إشارات خاصة إلى عقيدة سرية مخالفة للعقيدة المسيحية الكاثوليكية التي كانت ذات سلطة مطلقة في ذلك العصر.
أثيرت أسئلة كثيرة حول شخصية يوحنا في لوحة العشاء الأخير والذي كان موقعه فيها إلى جانب المسيح ولكن بكل الأحوال جنح معظم الفنانين المعاصرين لدافنشي بإيحاء من روايات التقليد الكنسي على تصوير يوحنا في لوحاتهم على أنه شاب يافع جدا لم تنبت لحيته بعد.
لماذا رسمها ليوناردو دافنشى؟
رسم ليوناردو دافنشي لوحة العشاء الأخير على الأرجح بين 1495 و1498 لدير الدومينيكان سانتا ماريا ديلي جراتسي في ميلانو مصورا المشهد الدرامي الموصوف في عدة لحظات مترابطة بشكل وثيق في الأناجيل وتحديدا تلك اللحظة التى أعلن فيها يسوع أن أحد الرسل سوف يخونه ويؤسس القربان المقدس لاحقًا.
ووفقًا لموسوعة بريتانيكا فإن ليوناردو دافنشى اعتقد أن الموقف والإيماءة والتعبير يجب أن يتظهر "مفاهيم العقل" لذا يتفاعل كل واحد من التلاميذ الاثني عشر مع الموقف بطريقة اعتبرها ليوناردو مناسبة لشخصيته والنتيجة هي لوحة تبرز لمشاعر بشرية متنوعة ، قدمت في تركيبة بسيطة مخادعة.
طريقة الرسم
نسخة ليوناردو دافنشى من العشاء الأخير مرسومة بدقة مع وجود يسوع في وسط طاولة كبيرة والرسل إلى يمينه ويساره. يرتدي الجلباب التقليدي باللونين الأحمر والأزرق وله لحية ، لكن ليوناردو لم يشبعه بالهالة المعتادة فاقترح بعض العلماء أن الضوء من النافذة خلفه يقوم بهذا الدور أو أن الخطوط الضمنية للنبات فوق النافذة تخلق الهالة، جادل علماء آخرون بأن السمة المفقودة قد تشير أيضًا إلى أن يسوع لا يزال إنسانًا، والذي، على هذا النحو، سيتحمل الألم والمعاناة من الآلام.
تفسير اللوحة
المشهد ليس لحظة مجمدة بل تمثيل للحظات متتالية انطلاقا من إعلان يسوع خيانته الوشيكة، ورد فعل الرسل، فيليب، الذي يقف في المجموعة على يسار يسوع، يشير إلى نفسه ويبدو أنه يقول "بالتأكيد لست أنا يا رب؟" ويبدو أن يسوع يجيب "من وضع يده في الوعاء معي يسلمني" (متى 26: 23). في نفس الوقت يسوع ويهوذا الذي يجلس مع المجموعة إلى يمين يسوع، يمسكان صحنًا واحدًا على الطاولة بينهما وهو فعل يميز يهوذا بأنه الخائن بينما يشير يسوع إلى كأس نبيذ وقطعة خبز مقترحًا إقامة طقس القربان المقدس.
يتناقض هدوء المسيح ورأسه وعيناه المنخفضتان مع حركة الرسل فمواقفهم المتفاوتة تتصاعد وتتشابك بينما تظل منظمة في مجموعات ثلاث. يعقوب الأكبر، على يسار المسيح، يلقي ذراعيه بغضب بينما توما جاثم خلف يعقوب يشير إلى أعلى ويبدو أنه يسأل "هل هذه خطة الله؟" أما بطرس فيتحرك نحو يوحنا المعتدل المزاج، أما من يجلس على يمين المسيح فهو يهوذا الذى يظهر ممسكا بالمحفظة التي تحتوي على مكافأته مقابل خيانة يسوع ويبدو أن بقية الرسل يتهامسون حزانى ويجادلون بعضهم البعض.