لا مجال فى عالمنا اليوم، لضيق الفكر، ومحدودية النظرة، فالإيمان بالوطن لا يتعارض مع الإيمان بالإنسانية، كشريك فى عالم اليوم، وعالم الغد، إن اضطراب أى جزء فى عالمنا، يقلق مضاجع الأمم جميعا، ودورنا فى المساهمة فى عالمنا، متوقف على فكرنا وعقيدتنا، التى تؤمن بالأخر، لذا يجب أن نحب وطننا، من خلال عين على العالم، أو نراعى المصلحة الوطنية، من خلال رؤية انسانية.
إن الحرية الفردية والفكرية، أسس لا اختلاف عليها، ولكن هناك ما يجعلنا نقف قليلا؛ حتى نفكر فى كيفية التطبيق على أرض الواقع، لأن الأرض قد تكون غير صالحة لألقاء البذرة، التى تنبت فيها، إن تهيئة الأرض وإعدادها ضروري؛ لعدم ضياع الجهود سدى، ويكون ما نفعل عبث لا طائل منه، والوعى هو الخطوة، الوعى بمعانى الديمقراطية، وأهميتها بالنسبة للفرد والأمة، بأن حرية الإنسان فيما يعتقد، وما يعتنق من أفكار، هى السبيل للمعايشة الآمنة للجميع، وأن لا دين، ولا منطق، ولا أى عقيدة كائنة ما كانت، لا تقبل أن يحمل الناس على اعتناقها، وإنما تريد أن يكون العقل والشعور الحي، هى سيد الموقف، الذى يتبناه الإنسان، وإنه لا معنى لفرض شيء، على فكر الانسان وقلبه.
يجب أن نقف أمام المرآة، ننظر القصور والكسور، وأن نرى أنفسنا بعين الحقيقة والواقع، وألا نحاول أن نخدع أنفسنا بالكلمات الرنانة، وبالحنجريات القوية، وألا نندفع وراء صورة محفورة فى أذهاننا منذ عقود، أو قرون، إننا بها لا نخدع أحد، إلا أنفسنا، وبها نتعطل ولا نتحرك خطوة واحدة، إننا نتكلم كثيرا، بلا وعي، ولا علم، نجهر باحترام الرأي، ولا يحترم كل منا رأى الأخر، بل ويقذف مخالفه بالرأى بأشنع التهم، والسخرية منه، ويرميه بالكلمات البذيئة، إن التوصيف الدقيق للحالة يجعل الأمر سهل فى معالجته، وإعطائه الدواء الصحيح، أم أن ترسم خيالا، لا يمت للواقع بصلة، فإنما أنت تنقش على الماء حلولا.
إن فهم طبيعة الإنسان، نفسيا واجتماعيا وسياسيا فى بلادنا، يُسعف فى وضع القواعد، التى تناسبه، والتى تعمل على اجتياز العقبات التى تواجهه.