جان دارك، التى رحلت عن عالمنا فى مثل هذا اليوم من عام 1429، تعد أشهر النساء فى العالم على مر التاريخ، إذ كانت تلك الفتاة التى التى تبلغ من العمر17 عامًا محاربة مقاتلة دافعت عن وطنها فرنسا، خلال الحرب التى سميت حرب المائة عام، والتى ربما لم تكن حرب المائة عام لتستمر لهذه الفترة الطويلة لو لم تقم فتاة قروية في السابعة عشرة من عمرها بتعريف نفسها على وريث التاج الفرنسي.
ففي عام 1429، حين قابلت جان دارك الملك المستقبلي شارل السابع، كانت الحروب المتقطعة بين فرنسا وإنجلترا مستمرة منذ تسعين عامًا، وبدت النهاية قريبة. كان الإنجليز قد ألحقوا هزيمة منكرة بالجيش الفرنسي عند أجينكور، ثم كوَّنوا تحالفًا مع دوق برجندي، الأمر الذي منحهم سيطرة فعلية على نصف فرنسا. فكانت باريس في أيدي التحالف الأنجلوبرجندي، وكان البرلمان في المنفى في بواتييه، وكانت أورليان آخر حصن فرنسي شمال نهر لوار محاصرة من قبل القوات البريطانية، حسب ما جاء فى كتاب "ألغاز تاريخية محيرة: بحث مثير في أكثر الأحداث غموضًا على مر الزمن" لبول أرون، ترجمة شيماء طه الريدي، ومراجعة إيمان عبد الغني نجم.
ويقول الكتاب إنه مما زاد الأمور سوءًا أن شارل كان في غاية التبلد في مناصرته لقضيته، فبعد وفاة أبيه في عام 1422، حصل شارل على لقب ملك فرنسا، لكنه لم يُتوَّج رسميًّا على الإطلاق، وظل معروفًا بلقب ولي العهد. وتبرَّأت منه والدته الملكة إيزابو بشكل فعليٍّ حين انضمت للجانب البرجندي. ولافتقاده للحسم، أصبح شارل حينها في حالة من العجز بسبب الشكوك حول شرعيته؛ فقد بدا غير متيقن مما لو كان ابنَ أبيه بحق، ومن إمكانية أن يحكم فرنسا.
ووسط هذا الموقف المحبط، دخلت منقذة فرنسا جان دارك. ظهرت الفتاة الشابة مرتدية درعًا في قلعة الملك في شينون، وسرعان ما اكتسبت ثقته وحشدت قواته. وفي شهر مايو، أجبرت الإنجليز على التراجع في معركة أورليان، وبعد شهرين رافقت شارل إلى ريمس من أجل تتويجه الذي كان بطعم النصر.
كان هذا انتصارًا قصير الأجل بالنسبة إلى جان، فقد أسرها البرجنديون، وبِيعت للإنجليز، ومثلت للمحاكمة وأدينت بالهرطقة، وفي مايو عام 1431، حُرقت على الخازوق، ولكنها أنقذت فرنسا، فعلى الرغم من أن حرب المائة عام قد امتدت حتى عام 1453 "لتستمر 116 عامًا على وجه الدقة"، فلم يعاود البريطانيون التهديد باجتياح البلاد مطلقًا، حسب ما ذكر كتاب "ألأغاز تاريخية محيرة".
ولكن كيف فعلت جان دارك ذلك؟ والأهم، ما الذي أقنع شارل الحذِر بأن يضع مصيره بين يديها، وهي مجرد فتاة قروية في السابعة عشرة من عمرها بلا أي خبرة عسكرية، إلى جانب كونها فتاة؟ روى المعاصرون حكايات عن "علامة" أظهرتها جان دارك لولي العهد، وكانت عبارة عن شيء حظي بثقته على الفور، ومنذ ذلك الحين، عزم المؤرخون على التوصل لماهية هذه العلامة.
كانت العلامة موضع اهتمام مباشر في محاكمة جان عام 1431 بتهمة الهرطقة، ويشير السجل الرسمي للمحكمة الذي بقي منه ثلاث نسخ إلى أن المدعين والقضاة قد استجوبوها مرارًا بشأنها.
رفضت جان الإجابة في البداية، قائلةً إن العلامة كانت مسألة بين مليكها وبينها. ولكن هذه المحاكمة أُجريت تحت رعاية محكمة التفتيش، وكان مستجوبوها يعرفون كيف ينهكونها ويزعزعون عزيمتها، وبحلول الجلسة السابعة من المحاكمة، في 10 مارس، استسلمت جان وأجابت على أسئلتهم؛ فأخبرت المحكمة بأن ملاكًا أعطى العلامةَ للملك، ومع مزيدٍ من الضغط، استمرت جان في مراوغة الأسئلة الخاصة بما أحضره الملاك تحديدًا، وبعد يومين، أضافت أن الملاك قد أخبر الملك بأنه يجب أن يجعلها تعمل في جيشه.
في الجلسة العاشرة من المحاكمة، في 13 مارس، استُجوِبت جان مرة أخرى عن العلامة. فتساءلت وكأنها تحذِّر المحكمة من أن ما سَيَلِي سيكون كذبًا: "أتريدني أن أجازف بحلف يمين كاذبة؟" ثم انطلقت تصف على نحوٍ أكثر تفصيلًا بكثير كيف أن عددًا من الملائكة بعضهم لهم أجنحة، والبعض لهم أكاليل قد أحضروا للملك تاجًا من الذهب الخالص. وناول أحد الملائكة التاج للملك وقال: «ها هي علامتك.» وأضافت جان أن التاج الآن في خزانة الملك.
كان لدى معظم المؤرخين عزوف مبرر عن تصديق شهادة جان، فقد كانت أساليب محكمة التفتيش نادرًا ما تنتزع إجابات صادقة، وعلى الرغم من أن جان لم تتعرض للتعذيب قط، فقد هزت في مواجهة أكثر من سبعين كاهنًا ومحاميًا، وكان في تساؤل جان عن القسم بيمين كاذبة علامة على أنها قررت التوقف عن مقاومتهم وستعطيهم ما يريدون، وهو تحديدًا الدليل على أنها كانت على اتصال بقوى خارقة للطبيعة، وبمجرد أن اعترفت جان بذلك، صار الأمر بيد مستجوبيها أن يحددوا أكان من تحدثت عنهم ملائكة أم شياطين، ولم يكن هناك شك أنهم سيختارون الأخيرة، وبذلك تقرر مصيرها.
بعد خمسة وعشرين عامًا من موت جان، أسقطت محكمة ثانية الحكم الصادر ضدها، وبقيت هذه السجلات هي الأخرى، ومثل الحكم الأول، كان هذا الحكم محددًا سلفًا إلى حدٍّ كبير، فقد أمر شارل من منطلق رغبته في تطهير سمعته من أي وصمة هرطقة بالتحقيق في المحاكمة الأولى عام 1448، وامتدت جلسات الاستماع حتى عام 1456 حيث أعلنت المحكمة الثانية أن المحكمة الأولى "شابها التدليس والافتراء والخبث والتناقضات، وتجلَّت فيها أخطاء الواقع والقانون"، و"برئت ساحة" جان حسب قول المحكمة.