إن لم يكن المِصريون هم أول من دون آراءه بالكتابة وبعبارة أخرى أول من اخترع الكتب فقد كانوا بلا ريب بين أوائل من اخترعوا هذا الفن، وإن أحد كتبهم المملوئة بالحكم والنصائح يسديها أب لابنه لهو أقدم کتب الدَّنيا جميعًا، هكذا ذكر جيمس بيكي، فى كتاب "مصر القديمة" ترجمة نجيب محفوظ.
كما أوضح جيمس بيكى من خلال كتابه، أننا نحن كثيرًا ما نستعمل كلمتين جديرتين بأن يذكرانا دائمًا بفضل المصريين القدماء، أولها The Bible، ومعناها الكتاب، والثانية Parer، ومعناها الورق، ونحن إن كتبْنا الأولى فإننا نستعمل كلمة من الكلمات الإغريقية التي أُطلقت قديمًا على النَّبات الذي اتخذ منه المِصريون كتبهم "یعني ورق البردي"، وإذا كتبْنا الكلمة الثَّانية فإنَّنا نستعمِل اسمًا آخر، وهو الأشيع لنفس النّبات، لأن المصريين كانوا أول من صنع الورق، وقد استعملوه قرونًا قبل أن يعرفَه النَّاس، ومع ذلك فلو رأيت كتابًا مصريًّا قديمًا لعجبتَ من شكله ونظامه، ولعلمتَ أنه يختلف كلَّ الاختلاف عن كُتُبِنا الجميلة التي نُمسكها بقبضة يدِنا ونطالعها.
كان المصرى إذا أراد أن يصنع كتابًا جمع سِيقان البردى الذي ينمو في بعض جهات القطر التي تكتنفها المستنقعات، وهذا النَّبات ينمو لارتفاع اثنتي عشرة قدمًا، وقد يبلُغُ خمس عشرة قدمًا، أم سمك سِيقانه فلا يقل عن ست بوصات، وكان يقشر الجزء الخارجى من الساق، ثم يقطع الجزء الباقي قطعًا طوليًّا إلى طبقاتٍ رقيقة بآلة حادة، وتوضع هذه الطَّبقات بجانب بعضهِا حتَّى تتصل أطرافُها، ثم يراق الصمغ على سطحها الأعلى، ثمَّ يأتي بطبقةٍ أخرى ويضعها عرضًا على الجزء الأعلى من الطَّبَقة الأولى، ثم تضغط الطبقتان وتجففان.
ويختلف اتِّساع العرض تبعًا للغرض الفنِّي الذي صنعت الأوراق له، وأعظم عرضٍ عُثر عليه للآن لا يزيد على سبع عشرة بوصة، ومُعظم النُّسَخ الأخرى أضيق من ذلك.
فإذا انتهى المِصري من صناعة ورقه، فإنَّه لا يجمعه مَلازم ويُغلِّفه كما نفعل الآن، ولكنَّه يوصل الورق من الطَّرَف الأعلى، ثمَّ يكتب، فإن احتاج لورقٍ ألصق ورقةً بورقة، وهكذا، ويلُفُّ الجميع إن أراد أن يسيرَ وكتابه في يدِه وعليه؛ فالكتاب كان لفَّةً من الأوراق قد تبلغ أحيانًا عدَّة أقدامٍ طولًا. وعندنا في دار الآثار البريطانية کتابٌ مِصريٌّ طوله مائةٌ وثلاثون وخمس أقدام، ونحن نعجب من الكيفية التي كانوا يحملون بها أمثال هذا الكتاب.
ولكنَّ الأغرب من الكتاب نفسه هو ما يتضمَّنه من الكتابة، التي تعد بحق أغرب الكتابات كلِّها، وربما أجملها أيضًا، ونحن نُسمِيها الهيروغليفية، ومعناها: النَّقش المُقدَّس، وهي عبارة عن صورٍ صغيرة، وكان المصريون في أول عهدهم بالكتابة يرمزون للكلمة التي يرغبون في التعبير عنها بصورة المعبر عنه، وبعد ممارسة ذلك الفنِ عهدًا تمكنوا من وضع حروف هجائية، ووضعوا علامات تمثل مقاطع الكلمات، ولم تكن هذه العلامات إلَّا صورًا صغيرةً، فمثلًا كانت إحدى علاماتهم للحرف P وجه نَسر، وعلاماتهم للحرف م أسَدًا.