ننشر لكم قصيدة جديدة للشاعر إبراهيم ملكوت تحت عنوان "الطريق"
"الطريق"
لِلْآنَ حُزْنِيَ لَمْ أُكْمِلْ مَسِيرَتَهُ
لِحَدِّ أَنْ لَوْ حَكَوْنِي
كُنْتُ سِيرَتَهُ
كَشَاعِرٍ ظَلَّ يَحْفَىٰ فِي قَصِيدَتِهِ
وَلَمْ يَجِدْ مَدْفَنًا إِلَّا قَصِيدَتَهُ
أُسَائِلُ الْقَلْبَ "هَلْ أَمْشِي؟"
يُجِيبُ "نَعَمْ"
وَمُذْ مَتَى الْبَحْرُ لَمْ يُضْلِلْ سَفِينَتَهُ؟!
لَكِنْ عَلَى اللّٰهِ مَاشٍ فِي دُجَىٰ حَزَنِي
مُنَاغٍ الرُّوحَ؛ تَنْوِيرًا مَتِيهَتَهُ
كَسَاحِرٍ يَتَمَطَّىٰ -كَالنُّجُومِ- عَلَى الْمِيَاهِ
حَتَّىٰ لَنَحْجُوهَا أَرِيكَتَهُ
وَكُلَّمَا سِرْتُ حُزْنِي عُدْتُ كَرَّتَهُ
كَأَنَّنِي صِرْتُ فِي تِيهِي رَهِينَتَهُ
كَعَابِرٍ سُكْرَهُ أَوْ عُمْرَهُ مَثَلًا
كَطَائِرٍ طَارَ لَكِنْ يَا خَطِيئَتَهُ
فِي الْحُزْنِ لَا فِي اجْتِرَارِ الْحُزْنِ تَهْلُكَةٌ
فَكَيْفَ كَيْفَ بِتَكْرَارِي طَرِيقَتَهُ؟!
وَحْدِي كَأَنِّي طَرِيقٌ دُونَ مَارَّتِهِ
وَإنَّ حَوْلِيَ مِنْ مَوْتِي دَلِيلَتَهُ
فَلَوْ أَرَى الْمَوْتَ فِي مَقْهَى الْحَيَاةِ مَعِي
وَلَّعْتُ مِنْ فَحْمِ قَلْبِي نَارَجِيلَتَهُ
لِيَشْهَقَ الرُّوحَ مِنْ دُنْيَا تُكَدِّرُهَا
وَيَزْفِرَ الرُّوحَ كَيْ تَرْقَىٰ سَكِينَتَهُ
لَكِنَّ "لَوْ" -نَظَرًا لِلْحُزْنِ- كَاذِبَةٌ
لِذَا أَنَا مَنْ رَنَا إلَّا هَزِيمَتَهُ
أَسِيرُ دُونِي
كَأنَّ الرُّوحَ أُغْنِيَةٌ وَالْجِسْمُ أَطْرَشُ
رُمْتُ الْحُبَّ سِيمَتَهُ
لَكِنَّنِي الْجَوْرَبُ الْمَقْطُوعُ
يَلْبَسُنِي حُزْنِي
وَتَكْشِفُ دَمْعَاتِي سَرِيرَتَهُ
نِيًّا عَلَىٰ سُفْرَةِ الْأَيَّامِ كُنْتُ أنَا
وَالْكُلُّ يَقْطَعُ مِنْ قَلْبِي شَطِيرَتَهُ
يَا نَاسُ..
أَنْتُمْ رَصَاصُ الْحُزْنِ يُرْشَقُ بِي
وَكُلَّمَا مِتُّ جَدَّدْتُم ذَخِيرَتَهُ
كَأَنَّنِي هَدَفٌ حَيْرَانُ
ذَاتَ دَدٍ
قَنَّاصَةٌ عَالَجَتْ بِالْمَوْتِ حَيْرَتَهُ
مَا زِلْتُ أَمْشِي..
وَرُوحِي فِيَّ تَائِهَةٌ
يَوَدُّ قَلْبِيَ لَوْ كَانَتْ غَرِيسَتَهُ
أَهْذِي،
أَهِيمُ احْتِبَاءً،
أَسْتَفِيقُ عَلَىٰ وَهْمِ الْمَمَاتِ،
فَأَرْجُوهُ حَقِيقَتَهُ
أَقُولُ "يَا لَيْتَنِي.."
وَالْـ "لَيْتَ" كَافِيَةٌ
فَرُبَّمَا قَدْ كَفَىٰ -مَنْ يَشْتَكِي- عَتَهُ
مِنْ يَوْمِ مَا جِئْتُ للدُّنْيَا الْقَصِيدَةِ
مَا ارْتَجَيْتُ مِنْ بَحْرِهَا إِلَّا جَزِيرَتَهُ
وَكُلَّمَا مَوْجُهَا النَّارِيُّ طَوَّحَنِي
لَمْ أَلْقَ يَا رَبِّ حِضْنًا لَوْ سَعِيرَتَهُ
مَتَاهَةٌ هَذِهِ الدُّنْيَا،
فَهَلْ عَبَرُوا الْمَوْتَىٰ..
أَمِ الْمَوْتُ خَلَّاهَا حَبِيسَتَهُ؟
أَرَى الْمَمَاتَ سِرَاجًا
آخَرَ النَّفَقِ المَدْعُوِّ "حُزْنِي"
لَعَلِّي اجْتَزْتُ ضِيقَتَهُ!
أُضَفِّرُ الشِّعْرَ يَأْسًا حَاضِنًا أَمَلًا
وَالْحُزْنُ يَحْلِقُ مَبْسُوطًا ضَفِيرَتَهُ
مَا أَغْرَبَ الشِّعْرَ!
كَيْفَ اسْتَنْظَرَ الْأَجَلَ الْمَحْزُونَ يَحْضُرُ؟!
مَا أَنْكَىٰ بَصِيرَتَهُ!
فَالْآنَ هَذَا جِرَابُ الْمَوْتِ
حَيْثُ أَنَا الْجَوَّالُ
حَتْمًا سَأَبْقَىٰ فِيهِ جِيفَتَهُ
مَوْتِي الْفَرِيضَةُ وَالدُّنْيَا النَّوَافِلُ
مَنْ قَامَ النَّوَافِلَ وَاسْتَثْنَىٰ فَرِيضَتَهُ؟!
فَرُبَّمَا فِي مَمَاتِي رِحْلَةٌ خَلَصَتْ
لَكِنَّ فِي ذَيْلِهَا الْأُخْرَىٰ ضَرِيبَتَهُ
فِي هَذِهِ الْحَالِ..
جِسْمِي.. الرُّوحَ طَيَّرَهَا
وَيُودِعُ الأَرْضَ -لَا يَبْغِي- حَقِيبَتَهُ
لَكِنْ مَجَازَاتُ مَوْتِي وَاحَةٌ
فَأَنَا لِلْآنَ حُزْنِيَ لَمْ أُكْمِلْ مَسِيرَتَهُ