نلقى الضوء على كتاب "إعادة التفكير فى التنمية الثقافية.. لاستئناف وصل المؤسسات والسياسات والأخلاق" لـ الدكتور محمد محمود عبد العال حسن، والصادر عن دار العبيكان.
ينطلق هذا الكتاب من نتائج عدد من الدراسات النظرية والتجريبية الإحصائية التي لم تكتف بالإشادة بدور القيم فى تعزيز عملية التنمية، بل وصفتها بأنها الـ (إكسير)، مع تحيز فج للقيم الغربية، وفى الوقت نفسه نبهت إلى خطورة تحولات القيم مقابل حضور متفاوت لقيم أخرى سالبة لأي فعالية مجتمعية، وفى ظل غياب أو ضعف سياسات أو مبادرات لترميم القيم، فمن المرجح ازدياد الظواهر السلبية وتكرار الخسائر السنوية للاقتصاد وتداول السوقية، وذيوع مفرداتها.
وتعبر هذه النتائج عن جاهزية البعض لتشكيل ما يسميه ثقافته الجديدة، وما ينعته بسلوكه فيما لو تخلى الآخرون عن واجبهم فى الحفاظ على ثقافاتهم والتمسك بسلوكياتهم المتحضرة والحفاظ عليها من التشويه والطمس، ويمكن القول إن المسوخ السلوكية والعرج التنموي والرياء النسكي تأتي بوصفها رد فعل لغياب القيم المشتركة والمؤسسات الفاعلة، ولهذا فهي تعبر عن رسالة مضمرة مفادها أنه في حين تتقاعس وحدات التنشئة الاجتماعية عن القيام بأدوارها، فإن النتيجية ستكون شيوع مثل هذه الأنماط وأنها إفرازات لسنين من التفريغ والتفلت، وليس أدل على هذا من إرجاع تقرير التنمية البشرية لعام 2020 م، أسباب الاختلالات على كوكب الأرض للقيم والمؤسسات.
ويجادل هذا الكتاب فى حاجتنا إلى النظر وإلى التنمية بوصفها تمثلات وشفرات تصف كيفية إدارة للشأن العام وبوصفها نمطا للتبصر والتأمل، بحيث توضع التنمية فى سياقات تاريخية وثقافية واجتماعية وتكنولوجية أوسع، وسنهتم بالحفر فى العلائق المعرفية بين التنمية والثقافة لمحاولة معرفة المضمر الذي تحمله التنمية للبنية السوسيوثقافية فى المجتمع، ولن نعتني بالتنمية بمقدار اعتنائنا بما تحويه من رؤية وأنساق وإحالات ثقافية وقيمية مؤثرة فى المجتمع.
ويستند الكتاب إلى كل من دراسات الحالة فى الخبرة الآسيوية وتحديدا في ماليزيا واليابان والصين وكوريا الجنوبية التي تمكنت من إيجاد صيغة ما مقبولة للتعامل مع قيم الوافد فى ثقافتها.
وإذا كانت لقيمنا الذاتية مصداقية اجتماعية وثقافية ومنطقية وتاريخية، فهل يمكن المراهنة على الدور الذي تقوم به كل من القيم والثقافة والتنمية الذاتية بوصفها آفاقا ومكانز لتحفيز النشاط وممارسة الفعل وذلك فى إطار ما يسمى (الإدارة بالقيم)؟
ومن هنا يحاول الكتاب مساءلة الأدبيات العربية التي أوقعتنا فى شرك الثنائيات إما ماكس فيبر بتصوراته عن دور الأخلاق فى إخصاب التنمية وتهميش الأبعاد الاقتصادية والسياسية والتاريخية والبيئية والجغرافيا و... إلخ، أو مغالاة كارل ماركس فى دور البنى التحتية وإهماله الأبعاد القيمية والثقافية، والأمر الآخر هو التهليل لنقل القيم والمفاهيم دون اعتبار لمعاجمنا الذاتية، وانصياعا لادعاء (عالمية) المفاهيم تارة والقيم ومحتواها، وهو ما سينكعس على واقعنا ومستقبلنا، ومن ثم وضع أيدينا على محاولة فهم أحد الأسباب المؤدية إلى تعثر عمليات التنمية والتغيير المنشود فى العالم العربي ومن العسير إدراك ذلك دون استعراض لجذور المفهومين وتعريفاتهما وتطورهما وخصوصيتهما فى الحقل الدلالي لكل أمة، والسعي لمناقشة عدد من الأشكاليات الخاصة بمفهومي الثقافة والتنمية من ناحية الاحتذاء بالمضامين وارتحالها حيث ترجماتها إلى الأدبيات العربية.