عند البحث فى الزراعة عند المصريين القدماء نجد أن هناك أنواعًا كثيرة من الأشجار والنباتات التى كانت تنمو فى تربة البلاد قديمًا، وكذلك النباتات والأشجار التى كان يجلبها المصرى من الخارج وينتفع بها فى بلاده، فعندما اهتدى الإنسان أول الأمر إلى النباتات الغذائية التى كانت تنبت بالطبيعة، وعرف فائدتها، أخذ فى زرعها وتعهدها بالرى والسماد.
ومن النباتات التى كان يزرعها المصرى القديم نبات البردي، والذى كان ينبت في مناقع الدلتا، ولكنه اختفى منها الآن، وكان المصري القديم يستخدمه لأغراض شتى، قد ذكر بعضها "هردوت" و"تيوفرستس" و "بليني"، ولكن أهم استعمال له هو صناعة الورق منه الذي جاء على غراره الورق المعروف لنا الآن، ويبلغ طول نبات البردي منه سبعة إلى عشرة أقدام، هذا عدا الزهرة، والجذور، ويبلغ عرض البردية نحو بوصة ونصف وقطاع الساق مثلث الشكل، ويحتوي على: لحاء رفيع خشن، ولب له أنسجة خلوية، ومن هذا اللب كان يصنع البردي، كما ذكرت موسوعة مصر القديمة للدكتور سليم حسن.
كيفية صناعة ورق البردي
وقد وصف "بليني" كيفية صنع ورق البردي، بأنه كان يقطع ساق النبات قطعًا رفيعة كانت توضع جنبًا إلى جنب على لوح من الخشب، وكان يوضع فوقها عدة قطع أخرى متقاطعة تكون مع الأولى زوايا قائمة، ثم تبلل بماء النيل، وبعد ذلك تضعط، وتجفف في الشمس، وأضاف بعد ذلك "بليني" أن ماء النيل عندما يكون معكرًا يحتوي على مادة لزجة.، لكن طريقة بليني هذه على ما يظهر غامضة، وخاطئة، إذ لم يذكر لنا أن اللحاء الخارجي كان يزال قبل تقطيع اللب، إلى أجزاء صغيرة، وإن كان ظاهرًا في كلام له أتى بعد ذلك، إذ يقول: إن اللحاء كان يستعمل فقط لعمل الحبال، هذا إلى أن ماء النيل لم يكن فيه مادة لزجة عند ما يكون عكرًا، وقد عملت تجارب لعمل ورق البردي كما كان يصنعه المصريون القدماء فلم تفلح إلى أن توصل الأستاذ «بتسكوم جن» إلى عمل ورق بردي مماثل لما كان يصنعه قدماء المصريين.
والطريقة التي اتبعها أنه قطع النبات الأخضر من البردي إلى عدة قطع يمكن تناولها ثم أزال اللحاء الخارجي، وبعد ذلك قطع اللب الداخلي قطعًا غليظة ووضع نسيجًا ماصًّا على لوحة من الخشب، ثم رتب عددًا من هذه القطع موازيًا بعضها لبعض، ومتماسة بعض الشيء، ثم وضع فوقها طائفة أخرى من هذه القطع متلاصقة، ومكونة زوايا قائمة مع القطع التي تحتها، ثم غطى الجميع بنسيج رفيع ماص ودقه لمدة ساعة أو ساعتين بمطرقة من الخشب، وبعد ذلك وضع هذه المادة في مكبس صغير عدة ساعات وعند الكشف عنها وجد أن القطع قد التأمت وكونت ورقة رفيعة متجانسة صالحة للكتابة، ثم صقلها بعض الشيء مما جعلها أكثر ملاسة، وكان لون الورق الذي نتج من هذه العملية يكاد يكون أبيض. غير أنه كان فيه بعض عيوب أمكن إصلاحها قبل أن توضع المادة في المكبس.
ويقول الدكتور سليم حسن إننا لا نعرف بالضبط التاريخ الذي بدأ فيه استعمال الورق وصناعته، وأقدم ما عثر عليه قطع من وثائق البردي يرجع عهدها إلى الأسرة الخامسة والسادسة وهي محفوظة بالمتحف المصري الآن.