يعتبر عيد الأضحى مناسبة وذكرى لأمر الله تعالى لنبيه إبراهيم بذبح ابنه إسماعيل وهى القصة المذكورة فى القرآن فى أكثر من سورة، وهنا ما ورد فى التراث الإسلامى من كتاب البداية والنهاية لابن كثير:
يذكر تعالى عن خليله إبراهيم أنه لما هاجر من بلاد قومه، سأل ربه أن يهب له ولدًا صالحًا، فبشره الله تعالى بغلام حليم، وهو إسماعيل عليه السلام، لأنه أول من ولد على رأس ست وثمانين سنة من عمر الخليل، وهذا ما لا خلاف فيه بين أهل الملل، لأنه أول ولده وبكره.
وقوله: { فَلَمَّا بَلَغَ مَعَهُ السَّعْيَ } أي: شب، وصار يسعى في مصالحه كأبيه.
قال مجاهد: { فَلَمَّا بَلَغَ مَعَهُ السَّعْيَ } أي: شب، وارتحل، وأطاق ما يفعله أبوه من السعي والعمل. فلما كان هذا رأى إبراهيم عليه السلام في المنام أنه يؤمر بذبح ولده.
هذا وفي الحديث عن ابن عباس مرفوعًا: "رؤيا الأنبياء وحي".
قاله عبيد ابن عمير أيضًا، وهذا اختبار من الله عز وجل لخليله في أن يذبح هذا الولد العزيز الذي جاءه على كبر، وقد طعن في السن بعد ما أمر بأن يسكنه هو وأمه في بلاد قفر، وواد ليس به حسيس ولا أنيس ولا زرع ولا ضرع، فامتثل أمر الله في ذلك، وتركهما هناك ثقة بالله وتوكلًا عليه، فجعل الله لهما فرجًا ومخرجًا ورزقهما من حيث لا يحتسبان.
ثم لما أمر بعد هذا كله بذبح ولده، هذا الذي قد أفرده عن أمر ربه وهو بكره ووحيده الذي ليس له غيره، أجاب ربه، وامتثل أمره، وسارع إلى طاعته، ثم عرض ذلك على ولده ليكون أطيب لقلبه، وأهون عليه، من أن يأخذه قسرًا، ويذبحه قهرًا.
قَالَ "يَابُنَيَّ إِنِّي أَرَى فِي الْمَنَامِ أَنِّي أَذْبَحُكَ فَانْظُرْ مَاذَا تَرَى" الصافات: 102.
فبادر الغلام الحليم سر والده الخليل إبراهيم، فقال: { يَا أَبَتِ افْعَلْ مَا تُؤْمَرُ سَتَجِدُنِي إِنْ شَاءَ اللَّهُ مِنَ الصَّابِرِينَ } وهذا الجواب في غاية السداد والطاعة للوالد، ولرب العباد.
قال الله تعالى: { فَلَمَّا أَسْلَمَا وَتَلَّهُ لِلْجَبِينِ } قيل: أسلما، أي: استسلما لأمر الله، وعزما على ذلك.
وقيل: هذا من المقدم والمؤخر، والمعنى: تله للجبين، أي: ألقاه على وجهه، قيل: أراد أن يذبحه من قفاه، لئلا يشاهده في حال ذبحه، وهذا رأى قاله ابن عباس، ومجاهد، وسعيد بن جبير، وقتادة، والضحاك، وقيل: بل أضجعه كما تضجع الذبائح، وبقي طرف جبينه لاصقًا بالأرض
و{ أَسْلَمَا }: أي سمى إبراهيم، وكبر، وتشهد الولد للموت.
قال السدي وغيره: أمرَّ السكين على حلقه فلم تقطع شيئًا. ويقال جعل بينها وبين حلقه صفيحة من نحاس، والله أعلم.
فعند ذلك نودي من الله عز وجل: { أَنْ يَا إِبْرَاهِيمُ * قَدْ صَدَّقْتَ الرُّؤْيَا } أي: قد حصل المقصود من اختبارك، وطاعتك، ومبادرتك إلى أمر ربك، وبذلك ولدك للقربان، كما سمحت ببدنك للنيران، وكما مالك مبذول للضيفان، ولهذا قال تعالى: إِنَّ هَذَا لَهُوَ الْبَلَاءُ الْمُبِينُ أي: الاختبار الظاهر البين.
وقوله: { وَفَدَيْنَاهُ بِذِبْحٍ عَظِيمٍ } أي: وجعلنا فداء ذبح ولده ما يسره الله تعالى له من العوض عنه.
والمشهور عن الجمهور: أنه كبش أبيض، أعين، أقرن، رآه مربوطًا بسمرة في ثبير.
قال الثوري: عن عبد الله بن عثمان بن خيثم، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس قال: كبش قد رعى في الجنة أربعين خريفًا.
وقال سعيد بن جبير: كان يرتع في الجنة حتى تشقق عنه ثبير، وكان عليه عهن أحمر.
وعن ابن عباس: هبط عليه من ثبير، كبش أعين، أقرن، له ثغاء فذبحه وهو الكبش الذي قربه ابن آدم، فتقبل منه، رواه ابن أبي حاتم.
فأما ما روى عن ابن عباس أنه كان وعلًا، وعن الحسن أنه كان تيسًا من الأروى، واسمه جرير، فلا يكاد يصح عنهما، ثم غالب ما ههنا من الآثار مأخوذ من الإسرائيليات. وفي القرآن كفاية عما جرى من الأمر العظيم، والاختبار الباهر، وأنه فدي بذبح عظيم، وقد ورد في الحديث أنه كان كبشًا.