لا نزاع في أن طرق الزراعة في بلد ما تتوقف قبل كل شيء على مقدار مدنية أهلها ثم تتدرج معها، ولكن في أقاليم محدودة نجد أن استثمار الأقاليم من حيث النبات أو الحيوان خاضع إلى البيئة وبخاصة الجو وصلاحيته لنمو أنواع خاصة من النبات أو تربية نوع خاص من الحيوان، ولذلك فإن الطرق التي يجب أن يستعملها أهل بلد ما نراها مرتبطة بهذه الأحوال.
ويقول الدكتور سليم حسن عبر موسوعته مصر القديمة، إننا استقينا معلوماتنا عن طرق الزراعة في مصر في عهد الدولة القديمة من مقابر عظماء القوم، والنقوش التي وجدت على جدران الطرق الجنازية لملوك الأسرة الخامسة والسادسة، وأهمها منطقة أهرام الجيزة وسقارة وميدوم، وكذلك مقابر أمراء أسوان من الأسرتين الخامسة والسادسة.
وطرق الزراعة في مصر في عهد الدولة القديمة لا تختلف كثيرًا عن باقي ممالك العالم، وبخاصة في بذر الأرض، وكان المصري حسب ملاحظاته الشخصية، وما تقتضيه طبيعة كل نبات، يقسم السنة الزراعية ثلاثة أقسام متساوية تقابل ثلاث مراحل مختلفة في زراعة الأرض، فالفصل الأول وهو الشتاء من أواسط أكتوبر إلى بداية فبراير وهو بذر الأرض وزراعتها ويسمى بالمصرية "برت" أي الخروج، أي ظهور الأرض من تحت ماء الفيضان، ثم من فبراير إلى يونيو وهو فصل الحصاد ويسمى بالمصرية "شمو" أي الصيف، ثم فصل الفيضان ويسمى بالمصرية "أخت" وذلك من منتصف يونيو إلى منتصف أكتوبر.
والفلاح المصري الحالي لا يزال محافظًا على حساب مواقيت زراعته بالأشهر المصرية القديمة التي كان يستعملها أجداده منذ أقدم العهود، وهي المعروفة الآن بالأشهر القبطية، ففي وقت الانقلاب الشتوي يبدأ زراعته الشتوية وهي الشعير والقمح، ثم يحصد محصوله بعد ذلك في شهري مايو ويونيو ثم يزرع بعد ذلك الذرة، وقبل حلول الانقلاب بشهر يزرع الصيفي "الذرة العويجة".
أما كيفية زراعة الأرض بأنواع الأشجار والحبوب المختلفة فقد رسمها قدماء المصريين على مقابرهم منذ أقدم العهود، وهي لا تختلف كثيرًا عن زراعة الفلاح وحصده وتخزينه لمحصولاته في أيامنا هذه، حسب موسوعة مصر القديمة، وليس هناك ما يلفت النظر إلا صناعة النبيذ من العنب وغيره، فإنها قد اختفت في عصرنا هذا. ومن المحتمل جدًا أن يكون السبب في ذلك دخول الدين الإسلامي في البلاد وهو يحرم شرب الخمر بكل أنواعها.
يضاف إلى ذلك زراعة الكتان وطرق تحضير خيوطه ونسجها فإنه قد قل من البلاد بدرجة عظيمة، وذلك لتغلب زراعة القطن وكثرة الواردات من منسوجاته من الخارج.