وقعت فى سنة 255 هجرية العديد من الأحداث المهمة منها موت الخليفة العباسي المعتز، وموت المفكر الإسلامى الجاحظ، فما الذي يقوله التراث الإسلامي؟
يقول كتاب البداية والنهاية للحافظ بن كثير، تحت عنوان "ثم دخلت سنة خمس وخمسين ومائتين":
فيها كانت وقعة بين مفلح وبين الحسن بن زيد الطالبي، فهزمه مفلح ودخل آمل طبرستان، وحرق منازل الحسن بن زيد، ثم سار وراءه إلى الديلم.
وفيها كانت محاربة شديدة بين يعقوب بن الليث وبين علي بن الحسين بن قريش بن شبل، فبعث علي بن الحسين رجلا من جهته يقال له: طوق بن المغلس، فصابره أكثر من شهر ثم ظفر يعقوب بطوق فأسره فأسر وجوه أصحابه، ثم سار إلى علي بن الحسين هذا فأسره وأخذ بلاده - وهي كرمان - فأضافها إلى ما بيده من مملكة خراسان سجستان، ثم بعث يعقوب بن الليث بهدية سنية إلى المعتز: دواب وبازات وثياب فاخرة.
وفيها ولى الخليفة سليمان بن عبد الله بن طاهر نيابة بغداد والسواد في ربيع الأول منها.
وفيها أخذ صالح بن وصيف أحمد بن إسرائيل كاتب المعتز، والحسن بن مخلد كاتب قبيحة أم المعتز، وأبا نوح عيسى بن إبراهيم، وكانوا قد تمالؤوا على أكل بيت المال، وكانوا دواوين وغيرهم، فضربهم وأخذ خطوطهم بأموال جزيلة يحملونها، وذلك بغير رضى من المعتز في الباطن، واحتيط على أموالهم وحواصلهم وضياعهم وسموا الكتاب الخونة، وولى الخليفة عن قهر غيرهم.
وفي رجب منها ظهر عيسى بن جعفر، وعلي بن زيد الحسنيان بالكوفة، وقتلا بها عبد الله بن محمد بن داود بن عيسى واستفحل أمرهما بها.
موت الخليفة المعتز بن المتوكل
ولثلاث بقين من رجب من هذه السنة خلع الخليفة المعتز بالله، ولليلتين مضتا من شعبان أظهر موته.
وكان سبب خلعه: أن الجند اجتمعوا فطلبوا منه أرزاقهم فلم يكن عنده ما يعطيهم، فاجتمع الأتراك على خلعه فأرسلوا إليه ليخرج إليهم، فاعتذر بأنه قد شرب دواء وأن عنده ضعفا، ولكن ليدخل إلي بعضكم.
فدخل إليه بعض الأمراء فتناولوه بالدبابيس يضربونه وجروا برجله، وأخرجوه وعليه قميص مخرق ملطخ بالدم، فأقاموه في وسط دار الخلافة في حر شديد حتى جعل يراوح بين رجليه من شدة الحر، وجعل بعضهم يلطمه وهو يبكي ويقول له الضارب: اخلعها والناس مجتمعون، ثم أدخلوه حجرة مضيقا عليه فيها.
وما زالوا عليه بأنواع العذاب حتى خلع نفسه من الخلافة وولى بعده المهتدي بالله كما سيأتي.
ثم سلموه إلى من يسومه سوء العذاب بأنواع المثلات، ومنع من الطعام والشراب ثلاثة أيام، حتى جعل يطلب شربة من ماء البئر فلم يسق، ثم أدخلوه سربا فيه جص جير فدسوه فيه فأصبح ميتا، فاستلوه من الجص سليم الجسد، وأشهدوا عليه جماعة من الأعيان أنه مات وليس به أثر، وكان ذلك في اليوم الثاني من شعبان من هذه السنة، وكان يوم السبت، وصلى عليه المهتدي بالله، ودفن مع أخيه المنتصر إلى جانب قصر الصوامع، عن أربع وعشرين سنة. وكانت خلافته أربع سنين وستة أشهر وثلاثة وعشرين يوما. وكان طويلا جسيما وسيما، أقنى الأنف، مدور الوجه، حسن الضحك، أبيض أسود الشعر مجعدة، كثيف اللحية، حسن العينين، ضيق الحاجبين، أحمر الوجه، وقد أثنى عليه الإمام أحمد في جودة ذهنه، وحسن فهمه وأدبه، حين دخل عليه في حياة أبيه المتوكل.
وروى الخطيب عن علي بن حرب قال: دخلت على المعتز فما رأيت خليفة أحسن وجها منه، فلما رأيته سجدت فقال: يا شيخ تسجد لغير الله؟
فقلت: حدثنا أبو عاصم الضحاك بن مخلد النبيل، ثنا بكار بن عبد العزيز بن أبي بكرة، عن أبيه، عن جده أن رسول الله ﷺ كان إذا رأى ما يفرح به أو بشر بما يسره سجد شكرا لله عز وجل.
وذكر ابن عساكر: أن المعتز لما حذق القرآن في حياة أبيه المتوكل، اجتمع أبوه والأمراء لذلك وكذلك الكبراء والرؤساء بسر من رأى، واختلفوا لذلك أياما عديدة، وجرت أحوال عظيمة.
ولما جلس وهو صبي على المنبر وسلم على أبيه بالخلافة وخطب الناس، نثرت الجواهر والذهب والدراهم على الخواص والعوام بدار الخلافة، وكان قيمة ما نثر من الجواهر يساوي مائة ألف دينار، ومثلها ذهبا، وألف ألف درهم غير ما كان من خلع وأسمطة وأقمشة مما يفوت الحصر، وكان وقتا مشهودا لم يكن سرورا بدار الخلافة أبهج منه ولا أحسن.
وخلع الخليفة على أم ولده المعتز قبيحة خلعا سنية، وأعطاها وأجزل لها العطاء، وكذلك خلع على مؤدب ولده وهو محمد بن عمران، أعطاه من الجوهر والذهب والفضة والقماش شيئا كثيرا جدا، والله سبحانه وتعالى أعلم.
خلافة المهتدي بالله
أبي محمد عبد الله محمد بن الواثق بن المعتصم بن هارون، كانت بيعته يوم الأربعاء لليلة بقيت من رجب من هذه السنة، بعد خلع المعتز نفسه بين يديه وإشهاده عليه بأنه عاجز عن القيام بها، وأنه قد رغب إلى من يقوم بأعبائها.
وهو محمد بن الواثق بالله، ثم مد يده فبايعه قبل الناس كلهم، ثم بايعه الخاصة ثم كانت بيعة العامة على المنبر، وكتب على المعتز كتابا أشهد فيه بالخلع والعجز والمبايعة للمهتدي.
وفي آخر رجب وقعت في بغداد فتنة هائلة، وثبت فيها العامة على نائبها سليمان بن عبد الله بن طاهر، ودعوا إلى بيعة أحمد بن المتوكل أخي المعتز، وذلك لعدم علم أهل بغداد بما وقع بسامرا من بيعة المهتدي، وقتل من أهل بغداد وغرق منهم خلق كثير، ثم لما بلغهم بيعة المهتدي سكنوا - وإنما بلغتهم في سابع شعبان - فاستقرت الأمور واستقر المهتدي في الخلافة.
وفي رمضان من هذه السنة ظهر عند قبيحة أم المعتز أموال عظيمة، وجواهر نفيسة.
كان من جملة ذلك ما يقارب ألفي ألف دينار، ومن الزمرد الذي لم ير مثله مقدار مكوك، ومن الحب الكبار مكوك، وكيلجة يا قوت أحمر مما لم ير مثله أيضا.
وقد كان الأمراء طلبوا من ابنها المعتز خمسين ألف دينار تصرف في أرزاقهم، وضمنوا له أن يقتلوا صالح بن وصيف، فلم يكن عنده من ذلك شيء، فطلب من أمه قبيحة هذه - قبحها الله - فامتنعت أن تقرضه ذلك، فأظهرت الفقر والشح، وأنه لا شيء عندها.
ثم لما قتل ابنها وكان ما كان، ظهر عندها من الأموال ما ذكرنا. وكان عندها من الذهب والفضة والآنية شيء كثير، وقد كان لها من الغلات في كل سنة ما يعدل عشرة آلاف ألف دينار، وقد كانت قبل ذلك مختفية عند صالح بن وصيف عدو ولدها، ثم تزوجت به وكانت تدعو عليه تقول: اللهم اخز صالح بن وصيف كما هتك ستري، وقتل ولدي، وبدد شملي، وأخذ مالي، وغربني عن بلدي، وركب الفاحشة مني.
ثم استقرت الخلافة باسم المهتدي بالله.
وكانت بحمد الله خلافة صالحة.
قال يوما للأمراء: إني ليست لي أم لها من الغلات ما يقاوم عشرة آلاف ألف دينار، ولست أريد إلا القوت فقط، لا أريد فضلا على ذلك إلا لإخوتي، فإنهم مستهم الحاجة.
وفي يوم الخميس لثلاث بقين من رمضان، أمر صالح بن وصيف بضرب أحمد بن إسرائيل الذي كان وزيرا، وأبي نوح عيسى بن إبراهيم الذي كان نصرانيا فأظهر الإسلام، وكان كاتب قبيحة فضرب كل واحد منهما خمسمائة سوط بعد استخلاص أموالهما، ثم طيف بهما على بغلين منكسين فماتا وهما كذلك، ولم يكن ذلك عن رضى المهتدي ولكنه ضعيف لا يقدر على الإنكار على صالح بن وصيف في بادئ الآمر.
وفي رمضان في هذه السنة وقعت فتنة ببغداد أيضا، بين محمد بن أوس ومن تبعه من الشاكرية والجند وغيرهم، وبين العامة والرعاع، فاجتمع من العامة نحو مائة ألف وكان بين الناس قتال بالنبال والرماح والسوط، فقتل خلق كثير ثم انهزم محمد بن أوس وأصحابه، فنهبت العامة ما وجدوا من أمواله، وهو ما يعادل ألفي ألف أو نحو ذلك.
ثم اتفق الحال على إخراج محمد بن أوس من بغداد إلى أين أراد. فخرج منها خائفا طريدا، وذلك لأنه لم يكن عند الناس مرضي السيرة بل كان جبارا عنيدا، وشيطانا مريدا، وفاسقا شديدا، وأمر الخليفة بأن ينفي القيان والمغنون من سامرا، وأمر بقتل السباع والنمور التي في دار السلطان، وقتل الكلاب المعدة للصيد أيضا. وأمر بإبطال الملاهي ورد المظالم، وأن يؤمر بالمعروف وينهى عن المنكر، وجلس للعامة.
وكانت ولايته في الدنيا كلها من أرض الشام وغيرها مفترقة.
ثم استدعى الخليفة موسى بن بغا الكبير إلى حضرته، ليتقوى به على من عنده من الأتراك ولتجتمع كلمة الخلافة، فاعتذر إليه من استدعائه بما هو فيه من الجهاد في تلك البلاد.
وفيها توفي:
الجاحظ المتكلم المعتزلي
ومن أجل كتبه: كتاب الحيوان، وكتاب البيان والتبيين، قال ابن خلكان: وهما أحسن مصنفاته، وقد أطال ترجمته بحكايات ذكرها عنه.
وذكر أنه أصابه الفالج في آخر عمره، وحكى أنه قال: أنا من جانبي الأيسر مفلوج لو قرض بالمقاريض ما علمت، وجانبي الأيمن منقرس لو مرت به ذبابة لآلمتني، وبي حصاة، وأشد ما على ست وتسعون سنة.