كانت الدولة الفاطمية بمثابة العصر الذهبى لمصر التى تم فيها اكتمال الفن الإسلامى، حيث ترك الفنانون المصريون وراءهم العديد من الآثار والتحف التى تشهد على مهارتهم الفائقة ودقتها فى مختلف الأشكال الفنية، وفى مثل هذا اليوم تمر ذكرى ميلاد الخليفة الفاطمى المستنصر بالله الفاطمى، الذى ولد فى القاهرة 5 يوليو عام 1029، ولهذا نستعرض تاريخ الدولة الفاطمية فى مصر.
قد بدأ الفاطميون حكمهم في مصر بدءًا طيبًا وعرفت في أيام المعز لدين الله "341/952 ـ 365/975"، والعزيز بالله "365/975 ـ 386/996"، والحاكم بأمر الله "386/996 ـ 411/1020"، رخاءً عظيمًا واستقرارًا لم تعرفه منذ سنوات طويلة، واتسعت حدودها حتى شملت الشام والحجاز واليمن وبرقة، بالإضافة إلى إفريقية "تونس" التي كانت تدين بالولاء للفاطميين، وقد استمر هذا الازدهار حتى منتصف خلافة المستنصر بالله "427/1035 ـ 487/1094"، ثم توالت عليها الأزمات والمتاعب بسبب سوء السياسية الاقتصادية التي جرى عليها الفاطميون من ناحية، ثم إسرافهم في استخدام جند الأتراك والمغاربة والسودان، وتنازع طوائفهم فيما بينهم، حتى انتهت البلاد إلى حال من الضعف والاضطراب لم تعرفه فيما سلف من عصورها الإسلامية، وأضيفت إلى ذلك كوارث طبيعية كانخفاض مستوى الفيضان سنين متوالية، مما ذهب بالرخاء جملة، فتوالى الغلاء والمجاعات، وعجز الناس عن دفع الضرائب وازدادت مطالب الجنود وفتك بعضهم ببعض، مما هوى بالبلاد إلى درك سحيق من الفوضى والفقر البالغ، حسب ما ذكر جورجى زيدان فى الجزء الول من كتاب "تاريخ التمدن الإسلامي".
واحتاجت الدولة إلى من يضبط الأمر، فاستعان الخليفة المستنصر ببدر الجمالي والي عكا، وكان من أصل أرمني، فأقبل وتولى الأمور، وأظهر كفاية عظيمة، وضرب على أيدي الجند، وساعفته المقادير، فتحسنت حالة الفيضان، وبدأت البلاد تخرج بفضل حزمه وإدارته الرشيدة من الهاوية التي تردت فيها.
بيد أن الخلافة الفاطمية أخذت تتلاشى شيئًا فشيئًا، فقد انتقل السلطان بصورة نهائية إلى الوزير ومن يستعين بهم في ضبط الأمور، وتعاقب الوزراء على السلطان واتخذوا لقب الوزراء العظام، وأولهم الأفضل بن بدر الجمالي وآخرهم صلاح الدين يوسف بن أيوب.
وكان معظم أولئك الوزراء على جانب كبير من المهارة والقدرة، ولكن أكبر جانب من اهتمامهم كان منصرفًا إلى المحافظة على مراكزهم بالاستكثار من الجند المرتزقة، وإرهاق الأهالي بالضرائب حتى يستطيع دفع رواتب الجنود، ووجد خلفاء الفاطميين بعد المستنصر أن سلطانهم قد تلاشى تمامًا، فمضوا يكيدون للوزراء ويدبرون المؤامرات للقضاء عليهم كما فعل الخليفة الآمر، إذ دبر اغتيال الأفضل بن بدر الجمالي، واستعان بنفر من الباطنية على ذلك، وتم اغتياله عام 515 ـ 1121 وتولى الوزارة بعده كبير المتآمرين المأمون البطالحي، واستمر النزاع بين الخلفاء والوزراء إلى آخر أيام الدولة الفاطمية، وقد خسر الخلفاء المعركة وفقدوا كل سلطان ابتداء من عهد الخليفة الظافر 544/ 1139 ـ 549/ 1154، بل إن أحدهم وهو طلائع بن رزيك اتخذ لنفسه لقب الملك الصالح، وهو أمر له دلالته.
وآخر خلفاء الفاطميين هو العاضد الذي بدأ حكمه باغتيال طلائع بن رزيك سنة 556/1161، وأقام مقامه أبا شجاع العادل، وفي سنة 558/1163 نازعة في الوزارة شاور والي الوجه القبلي وغلبه وقتله وتولى الأمر مكانه، ولم يدم له الأمر، إذ نافسه فيه ضرغام، وكان أميرًا لفرقة من الجند تسمى البرقية، وطال النزاع بين الرجلين، فاستنجد شاور بنور الدين محمود واستنجد ضرغام بعموري ملك بيت المقدس، وانتهى الأمر باستيلاء نور الدين على مصر وتعيينه أسد الدين شيركوه وزيرًا، فلما مات خلفه ابن أخيه صلاح الدين، فوزر لنور الدين السني وللعاضد الشيعي في وقت واحد، ولكنه تمكن بحسن سياسته من التخلص من العاضد، واستخلاص مصر لنفسه بعد موت نور الدين المبكر، وقد مات العاضد في سنة 567/1171 وبذلك انتهت الدولة الفاطمية وبدأت الدولة الأيوبية.