أصبح بابلو بيكاسو فى أواخر الثمانينيات من عمره مفتونًا برسم الفرسان تأثرا بأساتذة الفن القدامى وخاصة رامبرانت فرسم الفرسان مرارًا وتكرارًا فى لوحات تلك الفترة من ستينيات القرن الماضى حيث يقول بيب كارميل، أستاذ تاريخ الفن في جامعة نيويورك: "أعتقد أنه كان يسأل نفسه: أين يقف فني بالنسبة للفنانين القدامى الذين رسموا الفرسان دائما؟ "
ومن لوحات الفرسان التى رسمها بيكاسو بورتريه "امرأة مع فارس" التي اكتملت عام 1967 وكان من المقرر إرسالها إلى الولايات المتحدة الأمريكية ليتسلمها متحف ميلووكي المملوك لإيرفينج لونتز حيث ذكر ابنه هولدن لونتز أن والده اشترى اللوحة من دانيال هنري كانويلر وهو تاجر بارز في باريس معروف بعشقه لفن لبيكاسو مقابل 40 ألف دولار وفقا لنيويورك تايمز الأمريكية.
لكن لوحة بابلو بيكاسو لم تصل إلى متحف ميلووكي إذ اتصل إيرفينج لونتز بشركة إيمرى التى تتولى الشحن لتقديم شكوى بسبب عدم وصول بورتريه "امرأة مع فارس" بسبب عاصفة ثلجية عرفت باسم عاصفة المائة ساعة.
اشتبه المحققون فى مكتب التحقيقات الفيدرالى بالولايات المتحدة الذين حاولوا تعقب بورتريه بيكاسو المفقود أن لصًا محترفًا وراء سرقة عمل بيكاسو الفنى.
غير أن الحقيقة أن تسليم بورتريه بيكاسو تعطل بسبب صعوبات الشحن فقد أدى تساقط الثلوج الذي طال أمده إلى تعطيل المطارات والبضائع وتناثرت الحاويات الكبيرة على مدرج المطار ، بينما سدت الصناديق والطرود الأرصفة.
اللوحة تقع فى يد بيل روميل
طالب المديرون التنفيذيون في شركة إيمرى التى تلقت لوحة بيكاسو بإزالة الصناديق من على رصيف الشحن أما الموظف بيل روميل فقد تلقى تعليمات من مشرفه الذى أشار إلى صندوق به ملصق مفقود وقال: خذ هذا معك عندما تعود إلى المنزل الليلة.
وضع بيل روميل الصندوق بزاوية في صندوق سيارته وبعد بضعة أيام قام بإحضاره إلى منزله المكون من طابقين في ميدفورد بماساتشوستس، ثم فتحه ليكتشف أن بحوزته لوحة بيكاسو.
اتصل بيل روميل بخطيبته سام، البالغة الآن 79 عامًا والتى لم تنس قوله: "لن تخمنى أبدًا ما لدي لوحة بيكاسو"!، وعندما عادت إلى منزلهما وجدت صندوقًا كبيرًا يتكئ على الحائط.
أخفى الزوجان الصندوق في خزانة أسفل الدرج حيث قالت سام روميل: "لقد دفعنا الصندوق بعيدًا إلى الخلف ، ثم دفعنا الأشياء أمامه، لم نتحدث عن ذلك أبدًا."
إيرفينج لونتز صاحب متحف ميلووكي اتصل بمكتب التحقيقات الفيدرالي الذي بدأ في تعقب السارقين وقد قالت سام إنها وبيل أصابهما الذعر عندما علموا أن مكتب التحقيقات الفيدرالي يحقق فى واقعة ضياع اللوحة التى يحتفظان بها فى منزلهما.
اتصل بيل روميل بشقيقه وايت الذي كان أكثر دراية بالفن فقد علق أكثر من مرة لوحات لبيكاسو والذى قال إن هناك خياران الأول دفن لوحة بيكاسو في مطعم واترفيل الذي كان والده يملكه وإخراج اللوحة في غضون 30 عامًا لبيعها مقابل ثروة صغيرة أو إعادتها إلى أصحابها.
عندما سأل بيل روميل والده عما يعتقد أنه يجب فعله قال روميل الأكبر إن هذا كان خيارًا للحياة كان عليه أن يفعله لنفسه، وقد اختار الابن إعادة اللوحة.
في هذه الأثناء كان مكتب التحقيقات الفيدرالي F.B.I. يزيد من حدة التوتر ، ويصدر نشرات لوكالات إنفاذ القانون في جميع أنحاء الشمال الشرقي بالبحث عن لوحة بيكاسو من مطار.
إعادة اللوحة
وفي يوم كذبة أبريل في بوسطن عام 1969 ، كان الأب والابن يتشاركان لحظة لا تُنسى: تحميل لوحة بيكاسو في سيارة بيل روميل الذي كان يرتدي قبعة سوداء ونظارة شمسية ، اتجها إلى بوسطن وبتوجيه من والده أوقف سيارته في شارع هنتنجتون نزل والده.
حمل روميل الأب اللوحة في سيارة أجرة وأعطى للسائق 20 دولارًا وأمره بتسليم اللوحة المغلفة إلى متحف الفنون الجميلة وعاد إلى سيارة ابنه وفي طريق عودته إلى ميدفورد ، ألقى المعطف والقبعة اللذان كان يلبسهما في القمامة.
حملت اللوحة كلمة مكتوبة تقول "يرجى قبول هذا لاستبدال جزء من بعض اللوحات التي تمت إزالتها من المتاحف في جميع أنحاء البلاد"، وكانت تلك الكلمات مزيلة بتوقيع "روبن هود"
بعد ثلاث سنوات من هذه المغامرة ، مات ويتكومب روميل فجأة في سن 63 ؛ وقضي ابنه بيل السنوات الثلاثين التالية مع إيمري ، حيث ارتقى إلى منصب المدير الإقليمي قبل أن يتقاعد في ساوث كارولينا ويموت عن عمر يناهز 71 عامًا ، في عام 2015.
قال لونتز ، صاحب معرض ميلووكي لإحدى المحطات التليفزيونية عقب استعادة كنزه الضائع إنه "شعر بالفرح وأسعده استعادة هذه اللوحة".
أين انتهى المطاف بلوحة بيكاسو؟
الأخ الأكبر لبيل كما عرفنا هو وايت روميل المعروف أيضًا باسم روبن هود وهو صانع أفلام في تشابل هيل فى نورث كارولاينا اوالذى اعتقد أن قصة عائلته مع لوحة بيكاسو لها مقومات فيلم واحتفظ بجميع قصاصات الأخبار كدليل على قصة غير عادية عاشها مع أسرته.
وقد وظف مونيكا بوير وهى محررة وكاتبة مالية ، لتعقبها فلم تستطع العثور على ذكر للعمل في سجلات دار المزادات أو في قواعد بيانات بيكاسو المختلفة .
ومع ذلك من خلال الاعتماد على بعض الأدلة وجدت كتالوجًا لمعرض عام 1971 بعنوان "بيكاسو في ميلووكي" من بين الأعمال المعروضة "بورتريه لامرأة وفارس" وهى اللوحة التى اشتراها كل من سيدني ودوروثي كول.
سيدني كول ، 92 عامًا، مشترى اللوحة مازال يعيش في بالم بيتش بولاية فلوريدا وهو أحد أفراد العائلة التي تملك سلسلة متاجر كول متعددة الأقسام، وفي عام 2012 ، تم بيع ثماني قطع من مجموعة الزوجين كول في مزاد بمبلغ 101 مليون دولار.
لم يشمل ذلك البيع لوحة بيكاسو ولم يستجب كول لعدة طلبات لتأكيد أن اللوحة التى بلا شك تساوي ملايين الدولارات والتى لا تزال في مجموعته الخاصة.