وقعت في سنة 257 هجرية العديد من الأحداث المهمة وذلك بعدما دخلت الخلافة العباسية مرحلة صعبة من التدهور والانهيار، فما الذي يقوله التراث الإسلامي؟
يقول كتاب البداية والنهاية لـ الحافظ بن كثير "ثم دخلت سنة سبع وخمسين ومائتين":
فيها ولي الخليفة المعتمد ليعقوب بن الليث بلخ وطخارستان وما يلي ذلك من كرمان وسجستان والسند وغيرها.
وفي صفر منها عقد المعتمد لأخيه أبي أحمد على الكوفة وطريق مكة والحرمين واليمن، وأضاف إليه في رمضان نيابة بغداد والسواد وواسط وكور دجلة والبصرة والأهواز وفارس، وأذن له أن يستنيب في ذلك كله.
وفيها تواقع سعيد الحاجب وصاحب الزنج في أراضي البصرة فهزمه سعيد الحاجب، واستنقذ من يده خلقا من النساء والذرية، واسترجع منه أموالا جزيلة.
وأهان الزنج غاية الإهانة.
ثم إن الزنج بيتوا سعيدا وجيشه فقتلوا منهم خلقا كثيرا، ويقال: أن سعيد بن صالح قتل أيضا.
ثم إن الزنج التقوا هم ومنصور بن جعفر الخياط في جيش كثيف فهزمهم صاحب الزنج المدعى أنه طالبي، وهو كاذب.
قال ابن جرير: وفيها ظفر ببغداد بموضع بقال له: بركة زلزل برجل خناق قد قتل خلقا من النساء، كان يؤلف المرأة ثم يخنقها ويأخذ ما عليها، فحمل إلى المعتمد فضرب بين يديه بألفي سوط وأربعمائة، فلم يمت حتى ضربه الجلادون على أنثييه بخشب العقابين فمات، ورد إلى بغداد وصلب هناك، ثم أحرقت جثته. وفي ليلة الرابع عشر من شوال من هذه السنة، كسف القمر وغاب أكثره.
وفي صبيحة هذا اليوم دخل جيش الخبيث الزنجي إلى البصرة قهرا فقتل من أهلها خلقا وهرب نائبها بغراج ومن معه، وأحرقت الزنج جامع البصرة ودورا كثيرة، وانتهبوها ثم نادى فيهم إبراهيم بن المهلبي أحد أصحاب الزنجي الخارجي: من أراد الأمان فليحضر. فاجتمع عنده خلق كثير من أهل البصرة فرأى أنه قد أصاب فرصة فغدر بهم وأمر بقتلهم، فلم يفلت منهم إلا الشاذ: كانت الزنج تحيط بجماعة من أهل البصرة ثم يقول بعضهم لبعض: كيلوا - وهي الإشارة بينهم إلى القتل - فيحملون عليهم بالسيوف فلا يسمع إلا قول أشهد أن لا إله الله، من أولئك المقتولين وضجيجهم عند القتل - أي: صراخ الزنج وضحكهم - فإنا لله وإنا إليه راجعون.
وهكذا كانوا يفعلون في كل محال البصرة في عدة أيام نحسات، وهرب الناس منهم كل مهرب وحرقوا الكلأ من الجبل إلى الجبل، فكانت النار تحرق ما وجدت من شيء من إنسان أو بهيمة أو آثار أو غير ذلك، وأحرقوا المسجد الجامع وقد قتل هؤلاء جماعة كثيرة من الأعيان والأدباء والفضلاء والمحدثين والعلماء.
فإنا لله وإنا إليه راجعون.
وكان هذا الخبيث قد أوقع في أهل فارس وقعة عظيمة، ثم بلغه أن أهل البصرة قد جاءهم من الميرة شيء كثير وقد اتسعوا بعد الضيق فحسدهم على ذلك، فروى ابن جرير عن من سمعه يقول: دعوت الله علي أهل البصرة فخوطبت فقيل: إنما أهل البصرة خبزة لك تأكلها من جوانبها، فإذا انكسر نصف الرغيف خربت البصرة، فأولت الرغيف القمر وانكساره انكسافه، وقد كان هذا شائعا في أصحابه حتى وقع الأمر طبق ما أخبر به.
ولا شك أن هذا كان معه شيطان يخاطبه، كما كان يأتي الشيطان مسيلمة وغيره.
قال: ولما وقع ما وقع من الزنج بأهل البصرة قال هذا الخبيث لمن معه: إني صبيحة ذلك دعوت الله على أهل البصرة، فرفعت لي البصرة بين السماء والأرض، ورأيت أهلها يقتلون، ورأيت الملائكة تقاتل مع أصحابي، وإني لمنصور على الناس والملائكة تقاتل معي، وتثبت جيوشي، ويؤيدني في حروبي.
ولما صار إليه العلوية الذين كانوا بالبصرة انتسب هو حينئذ إلى يحيى بن زيد، وهو كاذب في ذلك بالإجماع، لأن يحيى بن زيد لم يعقب إلا بنتا ماتت وهي ترضع، فقبح الله هذا اللعين ما أكذبه وأفجره وأغدره.
وفيها في مستهل ذي القعدة وجه الخليفة جيشا كثيفا مع الأمير محمد - المعروف بالمولد - لقتال صاحب الزنج، فقبض في طريقه على سعد بن أحمد الباهلي الذي كان قد تغلب على أرض البطائح وأخاف السبيل.
وفيها خالف محمد بن واصل الخليفة بأرض فارس وتغلب عليها. وفيها وثب رجل من الروم يقال له: بسيل الصقلبي على ملك الروم ميخائيل بن توفيل فقتله واستحوذ على مملكة الروم، وقد كان لميخائيل في الملك على الروم أربع وعشرون سنة.
وحج بالناس فيها الفضل بن إسحاق العباسي.
وفيها توفي من الأعيان:
الحسن بن عرفة بن يزيد
صاحب الجزء المشهور المروي، وقد جاوز المائة بعشر سنين وقيل: بسبع، وكان له عشرة من الولد سماهم بأسماء العشرة.
وقد وثقه يحيى بن معين وغيره، وكان يتردد إلى الإمام أحمد بن حنبل.
ولد في سنة خمسين ومائة، وتوفي في هذه السنة عن مائة وسبع سنين.
وأبو سعيد الأشج.
وزيد بن أخرم الطائي.
والرياشي، ذبحهما الزنج في جملة من ذبحوا من أهل البصرة.
علي بن خشرم
أحد مشايخ مسلم الذي يكثر عنهم الرواية. والعباس بن الفرج أبو الفضل الرياشي النحوي اللغوي، كان عالما بأيام العرب والسير وكان كثير الاطلاع ثقة عالما، روى عن الأصمعي وأبي عبيدة وغيرهما، وعنه إبراهيم الحربي، وأبو بكر بن أبي الدنيا وغيرهما.
قتل بالبصرة في هذه السنة، قتله الزنج.
ذكره ابن خلكان في الوفيات وحكى عنه الأصمعي أنه قال:
مر بنا أعرابي ينشد ابنه فقلنا له: صفه لنا.
فقال: كأنه دنينير.
فقلنا: لم نره، فلم نلبث أن جاء يحمله على عنقه أسيود كأنه سفل قدر.
فقلت لو سألتنا عن هذا لأرشدناك، إنه منذ اليوم يلعب ههنا مع الغلمان.
ثم أنشد الأصمعي:
نعم ضجيع الفتى إذا برد ** الليل سحرا وقرقف العرد
زينها الله في الفؤاد كما ** زين في عين والد ولد