ضرب الإسكندرية.. جريمة الأسطول الإنجليزي على مصر 1882

يوم 11يوليو من سنة 1882 وقعت جريمة كبرى في مدينة الإسكندرية إذ قام الأسطول الإنجليزي بضرب المدينة بالمدافع حتى أحرقوها، وقد وثقت الكتب ذلك العدوان الكبير، ومن ذلك كتاب "الزعيم الثائر أحمد عرابي" لـ عبد الرحمن الرافعى. مأساة الضرب في الساعة السابعة من صبيحة يوم الثلاثاء 11 يوليو سنة 1882 أعطى الأميرال سيمور إشارة الضرب … فأطلقت البارجة "ألكسندرا" أول قنبلة على طابية الإسبتالية، وتلتها البوارج الأخرى، فأخذت تطلق قنابلها المدمرة على حصون المدينة وعلى المدينة ذاتها. أما القلاع فلم تُجِب على الضرب إلَّا بعد الطلقة الثالثة، بعد خمس دقائق، وكان الضرب من جانب الأسطول الإنجليزى شديدًا مروعًا، فكانت قنابله محكمة المرمى شديدة الفتك، أما القلاع فكانت ضعيفة متراخية وسقط كثير منها في البحر دون أن تصل إلى البوارج الإنجليزية. وكانت البوارج أثناء الضرب تتحرك في سيرها، يحجبها عن الأعين دخان كثيف فلا يستطيع الرماة المصريون إحكام المرمى وإصابة الهدف منها، وكل بارجة بها شبكة من الفولاذ، إذا أصابتها قنبلة من قنابل الحصون صدَّت قوتها بحيث تضعف إذا نفذت إلى البارجة ذاتها، وقد ساعد على إحكام المرمى من جانب الأسطول أن الاستعداد الحربي من ناحية الإنجليز أقوى وأعظم منه من جانب القلاع المصرية، إذ كانوا مطَّلعين على دقائق الاستحكامات، ومبلغ ما بها من المدافع والميرة والذخيرة ومخازن القنابل فيها، بخلاف العرابيين فإن معلوماتهم عن قوات الإنجليز كانت مشوشة ضئيلة، وكانوا يظنون أن البوارج الإنجليزية لا تقوى على هدم القلاع ولا تقف أمام مرمى قنابلها، وقد اتضح عكس ما يظنون، فإن البوارج قد دكَّت الحصون وعطلت مدافعها، في حين أن الأسطول الإنجليزي لم يُصب بضرر يُذكر. استمر الضرب من الساعة السابعة إلى الساعة الحادية عشرة على أقصى ما يكون من الهول والشدة، وقنابل الأسطول تقذف الخراب وتحصد الأرواح … ثم سكتت قليلًا واستؤنف الضرب بعد هنيهة حتى الساعة الثانية بعد الظهر، ثم وقف هنيهة أخرى، ثم استؤنف بعد ذلك إلى منتصف الساعة السادسة مساءً قبل الغروب بساعة. وقد تهدمت حصون الفنار ورأس التين والإسبتالية في منتصف الساعة الواحدة بعد الظهر، حيث اجتمعت عليها المدرعات ألكسندرا وسلطان وسوبرب، ولما أسكتتها صوبت قنابلها إلى قلعة «الأطة» وعاونتها في ضربها المدرعتان إنفلكسيبل وتمرير، فقذفت المدرعات الخمس نيرانها على تلك القلعة، فدمرتها بعد أن نسفت مستودع البارود فيها، ثم تحوَّلت إلى قلعة «قايتباي» وظلَّت تقذفها بقنابلها إلى الساعة الخامسة مساءً فخربتها. وفي المنطقة الجنوبية من الساحل ضربت المدرعات إنفنسبل وبنلوب ومونارك وإنفلكسيبل وتمرير حصون المكس وأم قبيبة والدخيلة، فأسكتتها في منتصف الساعة الثانية عشرة، واتجهت السفينة كوندور إلى قلعة العجمي فضربتها بالقنابل حتى أسكتتها. وفي نحو الساعة الأولى بعد الظهر شاهد الأميرال سيمور أن هذه الحصون قد أخلاها الجنود، فأرسل عشرين بحَّارًا إلى البر دخلوا قلعة «المكس» وأتلفوا مدافعها، ثم عادوا إلى سفنهم آمنين. وفي منتصف الساعة الرابعة شوهدت مدافع طابية «القمرية» تتأهب للضرب … وعاد الجنود إلى قلعة «المكس»، فصوبت البارجتان «بنلوب» و«مونارك» مدافعهما إلى الحصن المذكور، وأخذتا في ضربه حتى منتصف الساعة السادسة مساءً، حيث أمر الأميرال سيمور بالكف عن القتال، فوقف الضرب بعد أن استمر عشر ساعات متوالية. وقد دافعت الحاميات عن الحصون دفاع المستميت، وقام رجالها بواجبهم قدر ما استطاعوا … ولكن قوة الأسطول ومدافعه كانت لها الغلبة في هذا اليوم المشئوم، فتهدَّم معظم الحصون، وأصابت قنابل الأسطول كثيرًا من مساكن الأهلين فدمرتها وأحرقتها، كما أحرقت جناح الحرم بسراي رأس التين. وتفانى الأهلون في الدفاع عن المدينة، على رغم أن الحرب كانت حرب مدافع وحصون وبوارج، فبذلوا كل ما في استطاعتهم من تضحية وإقدام. وقُتل من المصريين خلال هذه الفظائع نحو ألفين، ولم تزد خسائر الإنجليز على خمسة من القتلى وتسعة عشر جريحًا … وقد استيقن العرابيون يوم 12 يوليو أن الإنجليز لا بدَّ محتلون الإسكندرية بعد أن دكُّوا حصونها، فاستقر عزمهم على الانسحاب من المدينة؛ ليستعدوا للمقاومة في الداخل، وكان الأحكم أن يقاوموا نزول الجنود الإنجليزية إلى البر بأن يوزعوا جزءًا من قواتهم للمرابطة على الشواطئ، ومنع رسو القوارب المقلة للجنود الإنجليزية … فإنهم بذلك يعطلون نزولها مدة طويلة، وبخاصة لأن الأسطول الإنجليزي لم يكن قد تلقَّى المدد من جنود البر، وكانت قوته مقصورة إلى ذلك الحين على جنود البحارة، ولم يكن عددهم يزيد على 5700 مقاتل، وهؤلاء لم يكن في استطاعتهم أن يتغلبوا على حامية الإسكندرية. حريق الإسكندرية وكان في مقدور الحامية أن تصدهم عن النزول إلى البر وتدافعهم لو حاولوا النزول … ولكن العرابيين لم يفعلوا شيئًا من ذلك؛ لأنهم لم تكن لديهم قيادة صالحة تدبِّر الخطط المحكمة للقتال، فآثروا الانسحاب من الإسكندرية، ورأوا أن يتذرَّعوا بكل وسيلة لتعطيل احتلال الإنجليز للمدينة واستقرارهم فيها، فأمر سليمان سامي داود قائد الآلاي السادس جنوده بإضرام النار في المدينة، لكي يحُول الحريق دون نزول الإنجليز بها واتخاذها قاعدة حربية لزحفهم، فشبَّت الحرائق الهائلة يوم الأربعاء 12 يوليو سنة 1882. وبدأ إضرام النار في نحو الساعة الثانية بعد الظهر، وأخذ يمتد حتى صارت الإسكندرية شعلة من النار مساء ذلك اليوم، واستمرت النار تضطرم فيها إلى اليوم التالي. كان هذا الحريق من الوجهة العسكرية عملًا عقيمًا؛ لأنه لم يعطل نزول الجنود الإنجليزية إلى البر فقد نزلوا في صبيحة اليوم التالي، واشترك في الحريق بعض الأوروبيين، وبخاصة من الأروام والمالطيين الذين بقوا في المدينة بعد هجرة معظمهم، وكانوا يقصدون من ذلك المطالبة بالتعويضات بعد انتهاء الحرب، كما اشتركوا أيضًا في النهب. ويقول جون نينيه عميد الجالية السويسرية — وكان شاهد عيان لهذه الحوادث: إن الحرائق الأولى شبَّت في الأحياء الأهلية من قنابل الأسطول الإنجليزي يوم الضرب، وكان الحريق الذي أمر به سليمان سامي داود على غير رأي عرابي والوزراء، فانفرد بإحداثه سليمان داود قائد الآلاي السادس، الذي كان مشهورًا بالتهور والحمق، وكان يعتبر نفسه عرابي آخر بالإسكندرية، وقد صمَّم على ألَّا ينسحب الجيش من الإسكندرية إلا بعد أن يجعلها خرابًا، وهذا يدلُّك على تشعب آراء العرابيين وعدم وجود وحدة في قيادتهم؛ لأن عملًا خطيرًا كحريق الإسكندرية ما كان يجب أن يحدث إلَّا إذا صدرت به الأوامر مجمعة من قيادة الجيش، ولكن الواقع أن عرابي لم يكن له دخْل فيه، ولما وقع لم يستطع أن يمنعه. واستقر رأي عرابي وصحبه على الانسحاب من الإسكندرية ثاني يوم الضرب، فأخذ الجيش يخليها يوم الأربعاء 12 يوليو. وفي مساء ذلك اليوم غادرها عرابي ووصل إلى «حجر النواتية» على ترعة المحمودية بعد الغروب وقضى الليلة هناك، وفي الصباح ركب رفاصًا سار به في الترعة حتى وصل إلى «عزبة خورشيد» ومنها إلى «كنج عثمان» بالقرب من كفر الدوار، وهناك أمر بإنشاء الاستحكامات وهي التي اتخذها الجيش المصري معسكرًا له، وعُرفت بمعسكر كفر الدوار. واتخذ عرابي عزبة «كنج عثمان» مقرًّا لقيادة الجيش … وفي صباح يوم 13 يوليو تحقق الأميرال سيمور من انسحاب العرابيين، وأنه لم يبقَ منهم أحد في المدينة، فأنزل كتيبة من جنوده البحارة واحتلوا سراي رأس التين وشبه جزيرة رأس التين.



الاكثر مشاهده

"لمار" تصدر منتجاتها الى 28 دولة

شركة » كود للتطوير» تطرح «North Code» أول مشروعاتها في الساحل الشمالى باستثمارات 2 مليار جنيه

الرئيس السيسى يهنئ نادى الزمالك على كأس الكونفدرالية.. ويؤكد: أداء مميز وجهود رائعة

رئيس وزراء اليونان يستقبل الأمين العام لرابطة العالم الإسلامي محمد العيسى

جامعة "مالايا" تمنح د.العيسى درجة الدكتوراه الفخرية في العلوم السياسية

الأمين العام لرابطة العالم الإسلامي يدشّن "مجلس علماء آسْيان"

;