كتبت الروائية التركية إليف شفق من قبل عن مقهى تركى يسمى كونديرا فهل يمكن تخيل أن يصل اسم كاتب لواجهة مقهى؟ هذه هى المكانة التى أوصلت ميلان كونديرا الذى رحل عن عالمنا اليوم لتبوأ مقعد الصدارة فى عالم الشهرة جنبا إلى جنبا مع روائيين فطاحل خصوصا فى الفترة التى تلى رحيله عن بلاده إلى فرنسا.
لنبدأ أولا من عمله الأول "إدوار والله" وهو العمل الذى وضع فيه تصوراته الروائية قالبا محددا لا يمكن إفلاته ولا يمكنك أن تمرعليه مرور الكرام وقد تميزت هذه الرواية بالمونولوجات الروائية الطويلة التى يصعب نسيانها.
فى "المزحة" كان الأمر مختلفا، لقد بدأ كونديرا ترسيخ مفاهيمه الرواية فالرواية قرينة المزحة وابنة السخرية وليست حكاية مجردة إذ لا بد أن تعوم الرواية فى تلين متجاورين المزحة والسخرية بل إن الرواية يمكن جدا أن تبدأ من دعابة عابرة بل إن هذا هو دورها.
على أن كونديرا غرق أيضا فى التاريخ وفى اللغة كعلم، وكانت هناك شخصيات معينة يرى فيها حصيلة روائية كبرى بل يمكن القول أنه كان مغرما بها مثل الشاعر الروسى ليرمونتوف الذى كتب عنه روايته الحياة هي مكان آخر وغاية غرامه بليرمنتوف أن الشاعر الروسى قتل فى مبارزة وهو فى الرابعة والعشرين وكان كونديرا يرى أن تلك مفارقة لا يمكن أن تمر عليه كروائى مرور الكرام بل يمكن أن تبنى عليها رواية.
فى رواية الخلود يبنى كونديرا على فكرة تصور الخلود وطريقة تفكير عظماء التاريخ فيه وأنهم كانوا يرون أنفسهم وكأنهم قادرين على هزيمة الزمن وأن فكرة الخلود تعنى فى الأساس بقاء الإنسان بعد وفاته من خلال أعماله كنوع من التحقق الذى لا ينتهى.
أما كائن لا تحتمل خفته فطرح فيها فكرة أساسية وهي الكيتش ورغبة الناس فى أن يضعوا أياديهم جنبا إلى جنبا لتسير البشرية كلها فى نفس الاتجاه مع فكرة العود الأبدى والتى تعنى بمفهومها البسيط أن حياة الإنسان إنما تتكرر فى أزمنة أخرى.
وفاة ميلان كونديرا
وقد توفي الكاتب الفرنسي التشيكي المولد ميلان كونديرا عن 94 عاما ، وفقا لما ذكرته التليفزيون التشيكي اليوم ، وقد اشتهر المؤلف الحائز على جائزة برواياته التي تتعمق في أفكار ومشاعر ومعتقدات الفرد ، فضلاً عن الجنس والعلاقات.
وفي تحفته الرائعة "خفة الكائن التي لا تحتمل" ، روى كونديرا قصة حب لا تنسى على خلفية ربيع براغ حولت الملحمة كونديرا إلى نجم أدبي عالمي عندما نُشرت عام 1984.
وبحلول ذلك الوقت كان الروائي التشيكي المنشق قد عاش في المنفى في باريس لما يقرب من عقد من الزمان وكانت كتبه محظورة في تشيكوسلوفاكيا ، وبعد أن حرمته الحكومة المدعومة من الاتحاد السوفيتي من الجنسية عام 1978 ، فظل أشهر كاتب منفي في البلاد وفقا لدويتشه فيله.
بعد الثورة المخملية وسقوط الستار الحديدي وإنشاء جمهورية التشيك ، لم يعد الكاتب ليعيش في وطنه وقال ذات مرة في مقابلة مع صحيفة "دي تسايت" الأسبوعية الألمانية: "لا يوجد مثل هذا الحلم بالعودة، أخذت براغ معي معي ؛ الرائحة ، والذوق ، واللغة ، والمناظر الطبيعية ، والثقافة."
بدأ نشر روايات كونديرا باللغة التشيكية منذ تسعينيات القرن الماضي ، ولكن لم يتم إصدار "خفة الكائن التي لا تحتمل" في موطنه الأصلي حتى عام 2006.
ولد ميلان كونديرا في الأول من أبريل عام 1929 في برنو بتشيكوسلوفاكيا ، ولم يتأثر بالثقافة التشيكية فحسب ، بل تأثر بشكل أكبر بكونه كاتبًا خلال فترة الاشتراكية.
وبصفته خريج مدرسة ثانوية، انضم بحماس إلى الحزب الشيوعي عام 1948 ؛ بعد ذلك بعامين، تم طرده بسبب "التفكير العدائي والميول الفردية". كان لهذا عواقب: اضطر كونديرا إلى قطع دراسته في أكاديمية السينما ، حيث درس الموسيقى والأدب وكان قد بدأ للتو.
ظهرلأول مرة ككاتب عام 1953 مع مجموعة شعرية "الرجل: حديقة واسعة". في ذلك ، تعامل مع الواقعية الاشتراكية ، وإن كان ذلك من منظور شيوعي. عاد لاحقًا إلى الحزب الشيوعي - وطُرد مرة أخرى.
أصبحت "الميول الفردية" التي اتهمه بها الحزب الشيوعي عندما طُرد لأول مرة نقطة شائكة في الستينيات، كتب كونديرا قصصاً مضحكة وفي عام 1967 نُشرت روايته الأولى "المزحة".