تمر اليوم ذكرى ميلاد الشاعر العالمى الشهير بابلو نيرودا إذ ولد فى تشيلى 12 يوليو من سنة 1904 وصار واحد من أشهر شعراء العالم فى القرن العشرين، وقد كتبت عن حياته واحدة من الروايات العظيمة حقا، وهي رواية "ساعى بريد نيرودا" للمبدع الكبير أنطونيو سكارميتا.
والرواية تحكي عن صياد شاب يدعى ماريو خيمينث يقرر أن يهجر مهنته ليصبح ساعى بريد فى ايسلانيدرا، بتشيلى حيث الشخص الوحيد الذى يتلقى ويبعث رسائل هو الشاعر بابلو نيرودا، أحد أعظم الشعراء فى القرن العشرين.
ومن خلال هذه القصة شديدة الأصالة ، يتمكن الكاتب التشيلى "أنطونيو سكارميتا" من رسم صورة مكثفة لحقبة السبعينات المؤثرة فى تشيلي، ويعيد فى الوقت نفسه بأسلوب شاعرى سرد حياة بابلو نيرودا.
وقد أعجب الشاب "خيمينث" بـ نيرودا ، وينتظر بلهفة أن يكتب له الشاعر إهداء على أحد كتبه، أو أن يحدث شىء بينهما شىء أكثر من مجرد تبادل الكلمات العابرة.
مع الرواية سوف نقف عاجزين، فالمشاهد منتقاة تكشف الكثير عن شخصيات الرواية، واللغة مفعمة بالجمال الذى يسميه بابلو نيرودا "المجاز"، والحوار بجمله القصيرة التى تليق بمسرح عظيم يعرف وقع الكلمة ومفادها، ويمكن بكل سهولة أن نتعامل مع النص على أساس أنه حكاية عن الفقراء والصيادين وعن تشيلى التى تغلى بفعل السياسة، وعن ساعى البريد ماريو خمينث الذى كان فى وقت ما صيادا كسولا ثم أصبح ساعى بريد يحمل الرسائل لرجل واحد هو شاعر تشيلى العظيم بابلو نيرودا، ثم تطورت العلاقة بينهما ووصلت لدرجة حلم "ماريو" بكتابة "قصيدة" كى يصبح شبيها بـ"نيرودا" صديقه وعراب طفله الوحيد الذى أطلق عليه "بابلو نيفتالى".
يمكن لنا أن نلمح فيما كتبه "سكارميتا" قصيدة حب طويلة، موضوعها الإنسان بكل مما يحويه من أفكار متناقضة، فلدينا الشاعر الأشهر الذى تعتبره البلدة الصغيرة أيقونة مجدها، ولدينا قصة الحب الكبيرة وبطلتها "بياتريث" حبيبة "ماريو" التى قال لها "إن ابتسامتك تمتد مثل فراشة على وجهك" فاشتعل الغرام فى قلبها.
وفى الرواية أيضا حكاية تشيلى الحزينة، حكاية التآمر على سلفادور الليندى وعلى كل الحالمين لهذا البلد، نراقب بحذر كيف تتسع دائرة الانتقام لتأخذ فى طريقها الشاعر الأشهر فى البلاد بابلو نيرودا، المحاصر فى بيته والمريض الذى يحتضر من الحمى وأشياء أخرى والسائل عن البحر "ألن أجد البحر هناك فى الأسفل عندما أفتح النافذة؟ هل أخذوه أيضا، هل حشروا بحرى فى قفص أيضا؟".
يظهر الوجه القبيح للأشياء وتمتد يد قاسية تهدم أحلام "ماريو خمينث" البسيطة التى لم تكن تتجاوز فوز قصيدته فى مسابقة شعرية تنظمها إحدى المجللات ورغبة عارمة الذهاب فى رحلة إلى باريس، لكنه ذلك لم يحدث أبدا.