تدل النقوش المصرية القديمة على أنه كان للعمال نظام غاية في الدقة قائم في البلاد منذ فجر التاريخ، وأن هؤلاء العمال كانت تدون أسماؤهم في سجلات خاصة، وكان أصحاب الحرف أفرادًا أحرارًا وليسوا عبيدًا.
هناك ثلاث وثائق تثبت أن هذه الطبقة من العمال كان أفرادها أحرارًا وليسوا عبيدًا، كما جاء فى موسوعة العلامة الدكتور سليم حسن.
والوثيقة الأولى يرجع عهدها إلى عهد الملك "خفرع" وهي عقد بيع عقار يظهر فيه أن شخصًا يدعى "محي" وصناعته عامل في الجبانة، كان من حقه أن يوقع شاهدًا مع كهنته على عقد البيع.
مما يدل على أنه كان متمتعًا بكل حقوقه المدنية. وحوالي هذه الفترة أمر الملك "منكاورع" بناء قبر للمقرب "دبحن" وقد خصص لهذا العمل خمسين رجلًا وأمر جلالته بألا يسخر واحد منهم بل يشتغل فيه برضائه.
أما الوثيقة الثالثة فيرجع عهدها إلى عصر الملك "نوسررع"، وهي وصية العظيم "وب إم نفرت" رئيس القصر الملكي لابنه الأكبر "إبى" ليشرف على وقف مقبرته، وقد جاء في ذيل هذه الوصية رسم خمسة عشرة شاهدًا كل باسمه وصناعته، فنجد من بينهم رئيس البنائين، والصانع، والحفار والنقاش.
وهذا مما يدل دلالة واضحة على أن أصحاب الحرف والصناعات كانوا طوائف أحرارًا ليسوا تابعين لفرد معين ولا للحكومة، على أن هناك من علماء الآثار من يعتقد بأن سكان الضياع الملكية كانوا يقدمون للمصانع الملكية أصحاب الحرف الذين كانوا يعملون في هذه المصانع، هذا فضلًا عن الأيدي التي كانت تشتغل في الزراعة، وهذا لا يتفق مع الواقع كما ذكرنا، والحقيقة أن أصحاب الحرف كانوا شرعًا رجالًا أحرارًا وكان في مقدورهم أن يتعاقدوا مع أي رئيس عمل، أي يعملون لحسابهم الخاص مستقلين.
والنقوش التي تظهر لنا كل يوم من جوف أرض مصر تؤكد لنا هذه النظرية، ففي مقبرة "رمنوكا" كاهن الملك "منكاورع" تقول لنا النقوش: لقد أقمت هذا القبر مقابل الخبز والجعة التي أعطيتها كل الصناع الذين أقاموا هذا القبر، تأمل حقًّا لقد أعطيتهم أجورًا عالية من الكتان الذي طلبوه وشكروا الله على ذلك.
وفي عهد الملك "نوسررع" نجد في نقوش "أخت حرى ختب" أحد رجال القضاء وكاهن معبد الملك ما يثبت ما ذكرناه، إذ يقول على نقوش قبره: إن كل الذين عملوا في مقبرته صنعوا ذلك في مقابل الخبز والجعة والمنسوجات والزيوت والجبن بكمية عظيمة.
وكذلك ترك لنا "إنتي" أمير المقاطعة في دشاشة نقوشًا قال فيها: إن كل رجل عمل في هذا «القبر» لي لم يكن غير راض، أما من جهة العمال وفعلة الجبانة فإني قد أرضيتهم.
كما نذكر ما قاله الكاهن الملكي في مقبرته بالجيزة: "لقد جعلت المثال ينحت هذا التمثال، على شرط أني جعلته مرتاحًا للأجر الذي أعطيته مقابل عمله".
وفي هذا برهان واضح على أن الأغنياء كانوا يكلفون أصحاب الحرف بالقيام لهم بأعمال خاصة يؤجرونهم عليها، على أن نفس دفاع صاحب العمل عن نفسه سواء أكان بحق أم بغير حق، بأنه لم يسخر أحدًا للقيام له بعمل، فيه ما يشعر بكل وضوح بأن العامل كان له حقوق من جهة عمله يتمتع بها وتحفظه من ظلم ينزل به.