"الحرية خاطر عزيز فى النفوس البشرية، فبها نماء القوى الإنسانية، من تفكير وقول وعمل، وبها تنطلق المواهب العقلية متسابقة فى ميادين الابتكار والتدقيق، فلا يصح أن تسام بقيد إلا قيدا يدفع عن صاحبه ضر ثابت أو يجلب به نفعه" هكذا بدأ سلطان العامرى كتابه "فضاءات الحرية.. بحث فى مفهوم الحرية فى الإسلام" مستشهدا بقول الطاهر بن عاشور فى أحد كتبه.
فى الكتاب يكشف سلطان العميرى عن المعالم التى جعلت موضوع الحريات أمرا مثيرا للجدل ولم يتوصل أحد لحسمها بشكل قاطع ويُرجع ذلك 5 مؤشِّرات هى الخلط الكبير بين المكوِّنات المختلفة للحريَّة والتنقُّلات العشوائيَّة فيما بينها، والارتباك الشديد فى الاستدلال بالنُّصوص الشرعيَّة، والانتقائية فى الاستدلال، والاستعانة بالحجج المخرومة، والاعتماد على مصادر غير معتمدة، الاعتماد على التأثيرات العاطفية.
ويحدد العميرى فى كتابه الصادر عن المركز العربى للدراسات الإنسانية" الهدف من كتابه فيقول " الهدف هو إعطاء تصور كلى ومجمَل عن معالم الحرية فى التصور الإسلامي، وعن فلسفتها وحدودها "ويرى الكتاب أن الحرية مطلب من أهم المطالب الإنسانية، وأُمنية من أغلى الأمنيات، وضرورة من أكثر الضروريات؛ عمقًا وتأثيرًا فى حياة الإنسان، ومنها: أنها غدَتْ شأنًا عالميًّا ضخمًا يُتحدَّث عنه فى العالم كله، ومنها: امتلاء عقول كثير من الشباب المتطلِّع للمعرفة والفكر بالأسئلة عن قضية الحرية، ومنها: أنَّ موضوعها كان - وما زال - من أشد الموضوعات التى يشغِّب بها أعداء الإسلام والحاقدون عليه.
و يأتى الكتاب فى قسمين، الأول يتناول البناءات النظرية لمفهوم الحريَّة، وقد ذكر فيه ثلاثة بناءات، البناء الأول: تحدَّث عن الحرية والبحث عن المفهوم، وأشار إلى الغموض الذى يكتنف ذلك المفهوم، وأسبابه، وعرَض لمفاهيم الحرية ومساراته، فى المجال الغربى وفى المجال الإسلامى، وخلُص بنتيجة مفادها: أنَّ التوصُّل إلى مفهوم عام شامل جامع مانع سالم من المعارضة، يستوعب كلَّ المكوِّنات المندرجة ضمن الحرية، متعسِّر أو متعذِّر.
أمَّا البناء الثاني، فخصَّه للحديث عن مفهوم الحرية فى التصوُّر الإسلامى، الخصائص والأُسس، مشيرًا إلى ضرورة الاحتفاظ بالخصوصيات الحضارية، ذاكرًا أسسًا كثيرة من الأساسات المنهجية لمفهوم الحرية فى التصور الإسلام ، ثم تحدَّث فى البناء الثالث عن موضع الحرية من خريطة الإسلام، والأصول التى تأسَّست عليها مكانة الحريَّة فى الإسلام، وعلاقتها بقضية التوحيد، والكرامة الإنسانيَّة، وقضية عمارة الأرض، مشيرًا إلى المواقف الخاطئة فى تقدير منزلة الحريَّة فى الإسلام، ومِن تلك المواقف الخاطئة: القول بأنَّ الحرية هى محور دعوة الرُّسل، والقول بأنَّ الحرية تكون قبل تطبيق الشريعة.
أمَّا القسم الثانى، فتحدث فيه عن المكونات الأساسية لمفهوم الحرية فى الإسلام، وقد بدَأه بتوطئة عن تصنيف الحريَّات وترتيبها، ثم دلَف بالحديث إلى مكوِّنات مفهوم الحريَّة، فذكر ستَّة مكوِّنات، وتحت كلِّ مكوِّن يذكُر الأسس والاعتراضات عليه، ثم يجيب عنها، ثم ذكر أُسس الحرية الدينيَّة فى الإسلام، وهى الأسس الكبيرة التى يرتكز عليها هيكل الدِّين الإسلامى كلُّه؛ فالأوَّل: أنَّ حقيقة التعبُّد قائمة على الحب والخوف والرجاء، ولا إكراه فيها، والثاني: أنَّ كمال براهين الإسلام وقوَّة أدلَّته توجب الإيمانَ به، ولا تحتاج إلى إكراه، والثالث: أنَّ حقيقة الإسلام عقد بين العبد وبين ربِّه، يُشترط فيه الرِّضا والإقرار من العبد، وأوجب الله تعالى بفضله على نفسه الوفاء بما وعد به عباده.