طبيعة وادي النيل تحتم أن تكون الحركة العامة للمواصلات في الحياة المصرية القديمة بوساطة نهر النيل صعودًا وهبوطًا لحمل الإنسان والبضائع.
والواقع أن النيل كان في الأزمان القديمة أحسن وسيلة للمواصلات، لأنه كان في متناول كل إنسان في كل وقت، ولذلك كانت تغطي مياهه طوال العام القوارب العدة والسفن المشحونة التي كانت تقل البضائع والحيوان والمحاصيل ومواد المباني والصناعات، هذا في الوجه القبلي.
أما في الوجه البحري فكان النهر مقسمًا إلى أفرع وترع مزدحمة تحفها المستنقعات، يضاف إلى ذلك أن الإقليم الساحلي كان يحتوي على بحيرات وبرك، وفي هذه الحالة كانت الملاحة تسهل التجارة وتجبر الأهالي على استعمالها. على أن تنظيم طريق للمواصلات في هذا العصر كان يعد مجهودًا ضائعًا في بلاد تغطى بالفيضان معظم السنة، ولذلك يقول "هردوت": "عندما يفيض النيل على البلاد لا تظهر إلا المدن فقط من وسط الماء، ويكون مثلها كمثل الجزر الصغيرة في بحر "إيجة" وباقي مصر يصير بحرًا، وعندما يحدث ذلك فإن القوارب لا تمشي في مجرى النهر الطبيعي بل تسير في طول السهل وعرضه، فالمسافر من نوكراتيس متجهًا نحو منف يمر بالضبط بالقرب من الأهرام."، حسب ما نقل لنا الدكتور سليم حسن عبر موسوعته مصر القديمة.
أما في انتقالات الأهلين اليومية والذهاب إلى الأسواق فكان الراجلة وراكبو الحمير يستعملون الجسور التي تربط بين القرى والبلاد، وكان الحمار يلعب دورًا هاما في المواصلات وذلك لأن الحصان والجمل لم يتسعملا إلا فيما بعد، وكان الحمار هو دابة الحمل العادية لصبره وتحمله وشجاعته، وقد استعمل منذ أقدم العصور في القوافل والبعوث التي كان يرسلها الملوك إلى الجهات النائية.
وكذلك كانت تستعمل الثيران لجر الأحمال الثقيلة وبخاصة الأحجار الضخمة التي كانت تحمل على جرارات، على أن المصري نفسه كان يستعمل للقيام بهذه العملية، ولدينا مناظر نشاهد فيها صاحب الضيعة محمولًا في محفة على الأعناق متجولًا في حقوله، ولكن على العموم كانت الطرق النيلية هي أهم وسيلة في التجارة المصرية، حتى إن القوم أصبحوا يعبرون عن سياحاتهم في النهر شمالًا وجنوبًا بالنزول من النيل والصعود فيه، حسب ما ذكر الدكتور سليم حسن، وقد تغلب هذا التعبير حتى أصبح يستعمل للطرق البرية.
وقد كان للملاحة أثر فعال في معتقدات القوم الدينية وفي شعائره، فكان في نظرهم المعبود "رع" يسير في الفجر في سفينة الصباح وعند الغروب يسبح في سفينة الليل، أما النجوم فكانت تسبح في قواربها الخاصة، وكان للموتى قوارب لخدمتهم، وكانت توضع نماذج منها في مقابرهم.
وهذه القوارب كما يقول "جوتيه" كانت تستعمل منذ الاحتفال بالجناز لنقل رفات المتوفين في توابيتهم وكذلك لنقل تماثيلهم وأقاربهم وأصدقائهم وخدمهم والكهنة والبكائين، والطعام اللازم للولائم الجنازية، والصناديق التي تحتوي على الأثاث المأتمي الذي كان لا بد منه لضمان بقاء المتوفى في عالم الآخرة، ولحمل الموسيقيين والمغنين والرقاصين الذين كانت مهمتهم إدخال السرور على أقارب المتوفى الذين كانوا يشاركونه آخر وجبة.
والواقع أن أقدم الآثار تدل على أن النيل كان له تأثير أدبي ومادي في الحياة المصرية، فكان المصري من العصور القديمة جدًّا بحارًا ماهرًا مجدًا.
وقد ذكر لنا "شارل بوريه" في كتابه عن الملاحة المصرية "أن الملاحة لعبت في مصر في كل عصور التاريخ دورًا هامًّا جدًّا، حتى إن عددًا عظيمًا من المسائل السياسية والاجتماعية والدينية التي كان تظهر كل لحظة حسن سير الإدارة في هذه البلاد الغريبة التي خلقها نهر النيل، كانت لا بد يتوقف فلاحها من قرب أو من بعد على القارب والسفينة"، كما نقلت لنا موسوعة مصر القديمة.