كان الفنان التشكيلى الكبير محمود سعيد فنانا ذكيا، يظهر ذكاؤه في اختياره موضوعات لوحاته، فهو يختار ما يدل على التأمل ويصطاد ما يعبر عن روح المجمع الذي يعيش فيه، ومن هنا تأتي لوحة "المقرئ".
ولوحة المقرئ بألوانها المعبرة تنتمى إلى المدرسة التأثيرية التعبيرية، تصور اللوحة ثلاثة من المشايخ داخل سرادق.
عد محمود سعيد الفنان التشكيلى الأبرز فى العالم العربى حتى هذه اللحظة، وهو من مواليد الإسكندرية ويعد من أوائل مؤسسى المدرسة المصرية الحديثة فى الفنون التشكيلية، كما أنه من أكثر الفنانين المصريين الذين كتبت عنهم دراسات عن حياته وأعماله.
ولد محمود سعيد يوم 8 أبريل 1897 ورحل أيضًا فى 8 أبريل من سنة 1964، وهو من عائلة عريقة ثرية كانت تسكن بالقرب من مسجد سيدى أبى العباس المرسى، حصل على جائزة الحقوق الفرنسية عام 1919، ووافق والده محمد سعيد باشا، رئيس وزراء مصر السابق، على سفره إلى باريس لاستكمال دراسته العليا للقانون فاغتنم هذه الفرصة حيث التحق بالقسم الحر بأكاديمية جراند شومبير لمدة عام ثم أكاديمية جوليان، وانشغل بتأمل ومشاهدة الثروات الفنية فى متاحف باريس ومعارضها وبالقراءة حول تاريخ الفن فى كل من إيطاليا وفرنسا وبريطانيا.
فى منزله وعلى الرغم من حياته الأرستقراطية رأى محمود السعيد الموالد ورأى كثيرا من العادات والتقاليد الشعبية السائدة فى مصر فى ذلك الزمان وتأثر بها وعبر عنها بعد ذلك بريشته وبخياله، ولذا فقد وجدنا عالمه الفنى يزخر بالسحر والرؤية الأسطورية والروح المصرية الصميمة والمحلية التى تأخذنا إلى فنون النحت والتصوير والعمارة القديمة والألوان فنجده قد أبرز اللحن الأنثوى فى لوحات ذات الجدائل الذهبية وحاملة القلل وأبرز أيضا تلك البانوراما الشعبية الأصيلة فى لوحات بائع العرقسوس والأسورة الذهبية فى أذرع حسناوات الأنفوشى والملاية اللف والملابس المزركشة كذلك إتجاهه بعد ذلك إلى هذه السيمفونية الرائعة للمناظر الطبيعية فى لحن هادئ يحيطه أطياف السحر والتأمل العميق.
واستمر محمود سعيد يمارس هوايته الفنية على الرغم من التحاقه بسلك النيابة العامة حيث تم تعيينه فى النيابة المختلطة بمدينة المنصورة عام 1921م بعد عودته من باريس، وتدرج فى سلك القضاء حتى وصل إلى درجة مستشار بمحكمة الاستئناف عام 1929م كما تم تعيينه عضواً باللجنة الاستشارية لمتحف بلدية الإسكندرية عام 1937م ولما وصل إلى سن الخمسين طلب الإحالة إلى المعاش لكى يتفرغ لفنه ولوحاته وعالمه الخاص وعين عضواً بالمجلس الأعلى لرعاية الفنون والآداب ومقررا للجنة الفنون التشكيلية عام 1956م.
أقيمت للفنان محمود سعيد العديد من المعارض الدولية والمحلية الخاصة بلوحاته منها معرضان أقيما لأعماله فى نيويورك عام 1937م ثم أقيم له معرض عام 1943م بمدينة الإسكندرية وتلاه معرضان آخران فى الإسكندرية أيضا أولهما بأتيليه الإسكندرية عام 1943م وثانيهما بجمعية الصداقة المصرية الفرنسية بالإسكندرية عام 1945م.
وفى عام 1951م أقيم له معرض بالقاعة المستديرة بأرض المعارض بالقاهرة عام 1951م ثم عاد مرة أخرى إلى الإسكندرية حيث أقيم له معرض بمتحف الفنون الجميلة ضم عدد 120 لوحة من لوحاته عام 1960م ثم عقب وفاته أقيم له معرض آخر بالإسكندرية بمتحف الفنون الجميلة أيضا فى عام 1964م ضم عدد 137 لوحة وبالإضافة إلى المعارض الدولية والمحلية الخاصة بلوحاته فقد شارك فى العديد من المعارض الجماعية الدولية كان أولها معرض باريس الدولى عام 1937م ثم شارك فى مهرجان فينيسيا الدولى بإيطاليا عام 1938م وعام 1950م وعام 1952م ثم شارك فى معرض اليونيسكو للفنانين العرب بالعاصمة اللبنانية بيروت عام 1953م وفى نفس العام شارك فى متحف الفن المصرى بالعاصمة السودانية الخرطوم وأخيرا فى عام 1958م شارك فى المعرض المصرى بموسكو وعلى المستوى المحلى فقد شارك فى معرض الربيع بالقاهرة عام 1953م.
ومن أشهر أعماله ولوحاته الدراويش والشادوف والمدينة وبنات بحرى وبائع العرقسوس وبنت البلد والشحاذ وذات الرداء الأزرق وذات الجدائل الذهبية والخريف ولوحة إفتتاح قناة السويس التى تصور وتسجل الحدث التاريخى لإفتتاح قناة السويس فى عهد الخديوى إسماعيل كذلك قام برسم أشخاص من أفراد عائلته وأصدقائه فهناك صورة خالدة للملكة فريدة إبنة أخته وهى فى مراحل عمرها الأولى ولوحات له شخصيا ولزوجته ولإبنته وفى شهر أبريل عام 2010م بيعت لوحته الدراويش عن طريق صالة مزادات كريستيز العالمية بالعاصمة البريطانية لندن بمبلغ 2.434 مليون دولار وفى وقت بيعها سجلت كأغلى لوحة رسمها فنان من الشرق الأوسط فى العصر الحديث ورسمت هذه اللوحة فى عام 1935م كما نجد من أعماله المتميزة لوحة أخرى هى لوحة جزيرة سعيدة والمؤرخة بتاريخ عام 1927م والتى قدمت كهدية للفنان جان نيكولايدس فى عام 1930م وتوارثتها عائلة نيولايدس المقيمة بالعاصمة اليونانية أثينا وبيعت هذه اللوحة بـ 1.202.500 جنيه إسترلينى فى مزاد بونهامز بالعاصمة البريطانية لندن أيضا فى عام 2016م ثم بيعت له لوحة أخرى فى نفس الصالة وهى لوحة فتاة الثوب المطبوع يوم الأربعاء 18 أبريل عام 2018م بمبلغ 512 ألف و750 جنيه إسترلينى وعلاوة على ذلك فقد نال الفنان محمود سعيد ميدالية الشرف الذهبية فى معرض باريس الدولى عام 1937م عن الجناح المصرى ثم منحته فرنسا فى عام 1951م وسام من أوسمتها الرفيعة يسمى اللجيون دوبنر وفى عام 1960م كان أول فنان تشكيلى يحصل على جائزة الدولة التقديرية للفنون وتسلمها من الرئيس المصرى الراحل جمال عبد الناصر .
وفى عام 2000م تم افتتاح مجمع متاحف محمود سعيد بمدينة الإسكندرية ويضم 3 متاحف وهى متحف الفنان محمود سعيد ومتحف الأخوين الفنانين سيف وانلى وأدهم وانلى ومتحف الفن المصرى الحديث، وتم افتتاح هذا المجمع بالقصر الذى كان فى الأصل مقرا لسكن الفنان محمود سعيد فى منطقة جاناكليس بالإسكندرية بعد إجراء الترميمات والإصلاحات اللازمة، وذلك بعد أن استمر مغلقا من عام 1970م حتى عام 2000م وكان ذلك بحضور الفنان فاروق حسنى وزير الثقافة المصرى حينذاك كما يضم هذا المتحف قاعتى عرض يطلق عليهما اسم قاعتا أجيال 1 و2 اللتان احتضنتا حينذاك بمناسبة افتتاحهما معرضا جماعيا يضم 37 فنانا من مختلف الأجيال ويضم هذا المتحف العديد من اللوحات والمجسمات التى تعكس حضارة مصر العظيمة وتاريخها القديم وتبرز مكانتها الرائدة فى عالم المتاحف والفنون التشكيلية عربيا وعالميا ويتكون المتحف من 3 أدوار عبارة عن دور أرضى ودورين علويين أول وثانى وقد خصص الدور الأرضى بالمتحف ليكون متحفا للفن الحديث ويضم لوحات الفنانين المعاصرين بينما خصص الدور الأول العلوى ليكون متحفا للفنان محمود سعيد يحوى مرسمه وكل متعلقاته الشخصية وبعض الكتب الفنية والمجلات أما الدور الثانى العلوى فيضم متحفا للأخوين سيف وأدهم وانلى.