تمر اليوم ذكرى ميلاد أحد ملوك مقدونيا الإغريقية، الإسكندر الأكبر أشهر القادة العسكريين والفاتحين عبر التاريخ، إذ ولد فى مثل هذا اليوم 20 يوليو من عام 356 قبل الميلاد وقد كان ذلك القائد العسكرى شخصًا لافتًا للأنظار خلال حياته، وأسبغت عليه إنجازاته لقب الإسكندر الأكبر وأيضًا الإسكندر ذى القرنين، فلماذا لقب بتلك اللقب الأخير وكيف دخل مصر؟ هو ما تناوله عبر السطور المقبلة.
ويقول المؤرخ عبد الرحمن الرافعى عبر كتاب" تاريخ الحركة القومية في مصر القديمة: من فجر التاريخ إلى الفتح العربي"، بلغ الصراع بين الفرس والإغريق (اليونانيين) مرحلة حاسمة، حين تولى الإسكندر عرش مقدونيا وعمره عشرون سنة، وكانت الدولة الفارسية قد اتسع ملكها، فشمل آسيا الغربية، وامتدَّ من الهند إلى البحر المتوسط، وكانت لها قوة بحرية ضخمة على شواطئ ذلك البحر ولها السيادة عليها، وكانت سورية وفلسطين ضمن أملاكها.
فاعتزم الإسكندر قهر هذا العدو الجبار، وأعدَّ لذلك جيشًا عبر به بوغاز الدردنيل، وكان يسمى هلسبونت، واشتبك بجيش الفرس عند نهر "جرانيق" الذي يصب في بحر مرمرة، فظفر بهم ظفرًا عظيمًا سنة 334 قبل الميلاد، وزحف بعد هذه الواقعة بحذاء الشاطئ الغربي لآسيا الصغرى، ثم في قلب الأناضول، حتى التقى بالفرس سنة 333 قبل الميلاد في «إيسوس» Issus الواقعة على الخليج المعروف الآن بخليج الإسكندرية، فانتصر عليهم انتصارًا ساحقًا، وفر دارا الثالث منهزمًا إلى "بابل"، كما ذكر كتاب عبد الرحمن الرفعى والصادر عن هنداوى.
وأوضح الكتاب: لم يشأ الإسكندر أن يتعقب دارا بعد واقعة إيسوس، وآثر أن يزحف أولًا على البلاد الواقعة على شواطئ البحر المتوسط لكي يُخضعها ويبسط سلطانه عليها، ولا يتخذ منها الأسطول الفارسي قواعد له تعوق زحفه.
وكانت هذه الخطة المحكمة دليلًا على بُعْد نظره، ونفاذ بصيرته في الحروب، فزحف الإسكندر على ثغور البحر المتوسط في فينيقية وسورية وفلسطين فاحتلَّها وخضَعتْ له، كما خضعت دمشق وبيت المقدس، ثم احتل الثغور دون مقاومة، فيما عدا «صور» التي قاومت مقاومة شديدة فحاصرها وفتحها عنوة، وكذلك قاومت غزة فحاصرها وأخضعها.
ثم وصل إلى مشارف مصر على رأس جيشه البالغ نحو أربعين ألف مقاتل، يعاونه أسطوله الذي كان يسير على مقربة من الشاطئ، ووبلغ بيلوز (الفرما)، وكانت وقتئذٍ أول حدود مصر.
أما دخوله مصر سنة 332 قبل الميلاد فكان بعد كانت هزائم الفرس أمام زحفه قد أفقدتهم القوةَ على صدِّه، فدخل مصر في خريف سنة 332 قبل الميلاد ووصل دون قتال إلى "منف" عاصمة مصر وقتئذٍ، ولم يجد الوالي الفارسي الذي كان يحكم مصر مفرًّا من التسليم؛ إذ رأى أن مقاومة الإسكندر لا تجدى.
وقد ابتهج المصريون لهزيمة الفرس، ورأوا في الإسكندر بادئ الأمر منقذًا لهم من الاحتلال الفارسي، ولم يكونوا لينسوا أن الفرس قد انتزعوا عرش مصر من آخر ملوك الفراعنة وأقاموا حكمًا أجنبيًّا بغيضًا امتهَنَ كرامة بلادهم، مما حفزهم إلى الثورة عليه ثلاث مرات.
وأشار المؤرخ عبد الرحمن الرافعى، على أن الإسكندر احترم ديانة المصريين، وعاداتهم وتقاليدهم، ولم يكتفِ بذلك، بل توج نفسه تتويجًا فرعونيًّا في معبد "بتاح" بمدينة "منف"، وقلد الفراعنة الأقدمين فيما كانوا يفعلون عند اعتلائهم عرش مصر، وإذ كان المصريون يرمزون بالكبش المقدس إلى الإله آمون، فقد أمر الإسكندر أن تبرز في صوره قرنا "آمون" من قمة رأسه، ولعل هذا التصوير هو الذي جعل بعض مؤرخي العرب يسمونه الإسكندر ذي القرنين.