نعرف جميعا أن سيدنا عثمان بن عفان كان له فضل أن اعتمد نسخة مكتملة من القرآن الكريم بلهجة قريش، ثم نسخ منها نسخا، وأرسلها إلى الأمصار الإسلامية فى ذلك الوقت، ثم طلب حرق ما دون ذلك، فما الذى جرى، وما الدافع لذلك، وكم نسخة صدرت، وإلى أين أرسلت النسخ المعتمدة؟
لإلقاء الضوء أكثر على هذه النقطة نطلع على كتاب "أضواء على مصحف عثمان بن عفان رضى الله عنه ورحلته شرقا وغربا" للدكتورة سحر السيد عبد العزيز سالم، طبع مؤسسة شباب الجامعة، الإسكندرية، 1991م.
يقول الكتاب عن سبب جمع سيدنا لعثمان للمصحف الشريف:
فى خلافة عثمان بن عفان اتسعت الفتوحات الإسلامية، وشملت بلادا كثيرة، فقد افتتح المسلمون أرمينية وأذربيجان، وكان حذيفة بن اليمان من بين الذين شهدوا فتح هذين البلدين، ورأى الناس يختلفون فى قراءة القرآن ويقول أحدهم للآخر قراءتى أصح من قراءتك، وأخذ المسلمون لذلك يكفرون بعضهم بعضا، فارتاع حذيفة وسار إلى المدينة دار الهجرة، والتقى بعثمان بن عفان وقال له "أدرك هذه الأمة قبل أن يختلفوا اختلاف اليهود والنصارى".
فبعث عثمان بن عفان رضى الله عنه إلى السيدة حفصة، وطلب منها أن ترسل إليه بمصحف أبى بكر ليأمر بنسخه ثم يرده إليها، فأبت حفصة بادئ ذى بدء حتى عاهدها الخليفة عثمان بأن يرده إليها، فنسخها عثمان فى هذه المصاحف ثم ردها إليها.
وأسند عثمان بن عفان إلى زيد بن ثابت وعبد الله بن الزبير وسعيد بن العاص وعبد الرحمن الحارث بن هشام، مهمة نسخ مصحف مرتب السور، بلسان قريش.
بعد أن تم نسخ المصحف الجديد أو المصحف الإمام على قراءة واحدة وإحراق ما خالف ذلك من مصاحف وصحف، بعث ابن عفان نسخا من هذا المصحف إلى الأمصار الإسلامية، ويقال لهذه المصاحف "المصاحف الأئمة" أو "المصاحف العثمانية".
وقد اختلف فى عدد المصاحف التى أرسلت إلى الأمصار، وحتى الآن لم نتوصل إلى تحديد عدد المصاحف التى أمر عثمان بن عفان بنسخها، وإرسالها إلى الأمصار الإسلامية على وجه الدقة، فالدانى يذكر أن المصحف جعل على أربعة نسخ وأن عثمان أرسل إلى كل ناحية واحدا: الكوفة والبصرة والشام وترك عنده واحدا. وقيل انه جعل سبع نسخ وزاد إلى مكة واليمن والبحرين.
ويرجح الدانى القول الأول فهو رأيه الأصح، وحذا الزركشى فى البرهان حذو الدانى فى المقنع.
أما السجستانى فيورد روايتين، الرواية الأولى جاء فيها على لسان حمزة الزيات "كتب عثمان أربعة مصاحف، فبعث بمصحف منها إلى الكوفة فوضع عند رجل من مراد، فبقى حتى كتبت مصحفى عليه، وحمزة القائل كتبت مصحفى عليه". والثانية " تقول " وقيل حدثنا عبد الله قال سمعت أبا حاتم السجستانى قال "لما كتب عثمان المصاحف حين جمع القرآن كتب سبعة مصاحف، فبعث واحدا إلى مكة وآخر إلى الشام، وآخر إلى اليمن، وآخر إلى البحرين، وآخر إلى البصرة، وآخر إلى الكوفة،، وحبس بالمدينة واحدا". ويورد السيوطى فى الاتقان تلك الروايتين عن ابن أبى داوود السجيتاني.
وينفرد اليعقوبى برواية حدد فيها المصاحف بتسع، فذكر أن عثمان "بعث بمصحف إلى الكوفة، ومصحف إلى البصرة ومصحف إلى المدينة ومصحف إلى مكة، ومصحف إلى مصر، ومصحف إلى الشام، ومصحف إلى البحرين، ومصحف إلى اليمن، ومصحف إلى الجزيرة وأمر الناس أن يقرأوا على نسخة واحدة".
أما ابن الجزرى فيجعل عدد المصاحف ثمانية، وذكر أن عثمان وجه بمصحف إلى البصرة ومصحف إلى الكوفة ومصحف إلى الشام، وترك مصحفا بالمدينة، وأمسك لنفسه مصحفا، الذى يقال له الإمام، ووجه بمصحف إلى مكة، ومصحف إلى اليمن، ومصحف إلى البحرين".
ويميل جمهور من الباحثين إلى الأخذ بالرأى القائل بأن المصاحف الأئمة كانت ستة.