أرقام قياسية غير مسبوقة، أعلنت عنها إدارة تنظيم معرض فرانكفورت الدولي للكتاب، فى دورتها لعام 2023، والتى من المزمع انطلاقها في أكتوبر المقبل، وتمثلت في حجز كافة طاولات بيع حقوق الملكية الفكرية، وهو حدث غير مسبوق لم يشهده المعرض قبل جائحة كورونا، حدث جدير بإعادة النظر فيما يتعلق بصناعة النشر والمحتوى فى العالم يجعلنا نتساءل: أين نحن فى مصر من ذلك؟
"تم البيع" هى اللافتة التى أعلن من خلالها منظمو معرض فرانكفورت الدولى للكتاب، عن حجز 548 مقاعدا فى مركز بيع الحقوق فى المعرض، وهو رقم قياسي يتجاوز أرقام سنوات ما قبل الجائحة البالغة، ففى عام 2018 تم حجر 528 طاولة، وفى عام 2019 تم حجز 522 طاولة، ويتوقع المعرض أن يستقبل 326 وكالة من 31 دولة خلال أيام المعرض فى الفترة من 18 وحتى 22 أكتوبر 2023.
سيناريوهات تحليلية عديدة وبسيطة قدمها الناشرون المتخصصون ممن اعتادوا الذهاب إلى معرض فرانكفورت الدولي للكتاب، كل عام، نظرا لأهميته فى عالم صناعة النشر، كان أبرزها، ما قاله الناشر شريف بكر بأن ارتفاع تكلفة حجز الجناح فى المعرض أمر قد يضطر البعض من الناشرين إلى اللجوء إلى حل آخر، وهو بيع المحتوى.
بيع المحتوى كما يفسروه الناشرون يعد بمثابة التجارة الأكثر ربحا من بيع الكتاب ككتاب، فالمحتوى هنا يأخذ أشكالا متنوعة يبحث عنه صناع السينما والدراما والبودكاست والكثير من المجالات التى من شأنها الاستفادة من محتوى الكتاب، على العكس من بيع الكتاب ككتاب مترجم من لغة إلى لغة أخرى فقط.
ما ذكرناه آنفا، يجلعنا نسأل: أين مصر من هذا؟، فنحن لا نخترع العجلة كما يقول المثل الشهير، وتجارب بيع المحتوى فى العديد من الدول حول العالم، أثبتت أنه يدر عائدا كبيرا وأفضل بكثير من انتظار مبيعات الكتاب فى معارض الكتب المحلية والعربية والدولية، والأهم من ذلك، واللافت للنظر هو أن بيع المحتوى لا يقتصر فقط على معارض الكتب العالمية، بل أصبح نافذة أساسية فى العديد من مهرجانات السينما مثل مهرجان كان، وغيره من المهرجانات التى تعتمد فى صلب عملها على المحتوى الموجود فى الكتاب.
ونعود فنسأل: لماذا لا نجد تعاونا بين اتحاد الناشرين المصريين والعرب ومهرجان القاهرة السينمائى الدولى – على سبيل المثال - فى هذا الصدد؟، لماذا لا توجد فى هذه المهرجانات مركزا لبيع الحقوق وعرض المحتوى، من خلال الإعلان عدد من الطاولات التى يتم حجزها برسوم مادية، يلتقى عليها الناشرون وصناع الدراما والسينما والبودكاست وكافة المجالات التى يمكنها الاستفادة من شراء المحتوى؟، وفى المقابل، توجد هذه الطاولات فى معرض القاهرة الدولي للكتاب.
ما يحدث فى فرانكفورت التى أخذناها نموذجا، وبحسب توضيح الناشر شريف بكر، أن طاولات بيع الحقوق والمحتوى يحجزها الناشرون ويلتقون عليها مع ما يسمى "الكشافة"، وهم أشبه بمكتشفي اللاعبيين فى القرى والمحافظات، ومهمة "الكشاف" هى البحث عن الأعمال الصالحة للمنصة أو الجهة التى يتعاقد معها، وهذا النموذج لا توجد صعوبة فى تحقيقه لدينا.
لقد أثبتت منصات المشاهدة خلال السنوات الماضية حول العالم، قوة تأثيرها، وشراهتها، واعتمادها على الروايات وكتب السير الذاتية وغيرهما كعامل أساسى يلبي متطلبات المشاهد، كما أثببت منصات الكتب المسموعة حول العالم سرعة انتشارها، ووجود فئة من الجمهور تغيرت عادات القراءة والاستمتاع لديهم وفقا لتطورات العصر، وإذا ما نظرنا في بيان إدارة معرض فرانكفورت الدولي للكتاب، سنجد أن الدول التى استطاع الناشرون فيها، أن يحجزوا لأنفسهم مقاعد على طاولات بيع المحتوى، هم: المملكة المتحدة والولايات المتحدة وألمانيا وإسبانيا والسويد، والصين، وللمرة الأولى، سيحضر ممثلون من الإمارات العربية المتحدة، وهى نفسها الدول التى تنتشر أعمالها على منصات المشاهدة العالمية.