كان الكاتب التشيكى الراحل ميلان كونديرا مهموما بفكرة الوجود، إذ كان محور رواياته في الحقيقة فأين يذهب الوجود الإنسانى وكيف ينتهى بالموت؟.
وكانت تلك معضلة أفضت إلى روايته الخلود وكذلك كائن لا تحتمل خفته فالأخيرة ارتكزت على الوجود الإنسانى كفكرة إضافة إلى طرحها العود الأبدى من فلسفة نيتشه وكذلك مفهوم الكيتش .
لكن رواية الخلود حملت فكرة أن العظيم يواجه الفناء بأعماله التي يكافح من أجلها في حياته لينال الخلود بعد مماته فأرسطو مثلا من وجهة نظر كونديرا إنما فعل ما فعل من أعمل واجتهد فيما اجتهد من فلسفات من أجل الخلود، بمعنى أن يعيش اسمه على مر العصر مقاوما الزمن والتاريخ، حتى نهاية أيام الأرض وهو بذلك إنما انتزع الخلود انتزاعا.
يؤكد كونديرا أن تلك الفكرة موجودة في كل إنسان وأنها تجعل الإنسان يقدم على الأفعال العظيمة إذ يحمل الإنسان في داخله الرغبة في الخلود عبر هذه الآلية.
رواية كائن لا تحتمل خفته ارتكزت على أفكار كونديرا عن الوجود فلقد حاول كونديرا إيجاد وحدة قياس لكثافة الوجود البشرى "وقد نجح في ذلك عبر شخصية توماس البطل" فالأمر لم يكن متعلقا أبدا بطرح فكرة العود الأبدى ولكن بقياس كثافة الوجود البشرى "بمعنى الخفة والثقل"، فما هو حاصل جمع الحركات التي يؤديها الإنسان وإلى أين تفضى وإيها أكثر خفة "ضع كونديرا معادلة يخبرنا فيها أن الثقل أفضل من الخفة، فكلما ثقل وجود الإنسان "كإحساس" كلما أصبح أكثر اتساقا مع الواقع والتصاقا به".
فكرة قياس كثافة الوجود في حد ذاتها فكرة متميزة فالإنسان في مراحل مختلفة ليس على وتيرة واحدة، فهناك أوقات يشعر فيها بوجوده وأوقات لا يشعر فيها بوجوده فيصبح نسيا منسيا فما يبرزه في النهاية هو أثر فعله وعليه فإن لم يكن هناك فعل فلا أثر ولا ثقل، فالحب مثلا تكمن أهميته في أنه يجعل الإنسان يشعر بثقل وجوده لكن لكل فعل رد فعل فبينما يشعر الإنسان بثقل وجوده "التحقق" في الحب فإن شعوره يتحول إلى النقيض "يشعر بخفة مفرطة" بعد تبخر مشاعر الحب فيشعر بتعاسة تكافيء التحقق والتقدير الذى شعر به في بداية الأغنية العاطفية الطويلة المسماة الغرام.
الخفة تساوى تحول الإنسان إلى ريشة طائرة في الهواء تتنازعها الرياح حتى تفضى بها إلى مصير مجهول، هكذا هي فلسفة كونديرا وهكذا كانت روايته الأشهر كائن لا تحتمل خفته .
لكن ما هو الوجود؟ يتم تعريف الوجود علميا بأنه القدرة على التفاعل مع الواقع (أو الكون) بشكل مباشر أو غير مباشر.
يقول كونديرا بشكل واضح "إن الرواية لا تفحص الواقع بل الوجود، والوجود ليس ما جرى، بل هو حقل الإمكانات الإنسانية، كل ما يمكن للإنسان أن يصيره، وكل ما هو قادرٌ عليه".
إذن فالرواية لدى كونديرا هي حقل للاحتمالات بل يمكن تسمية رواية كونديرا عموما برواية الاحتمالات فالكاتب التشيكى كان معنيا بأمرين رئيسيين طرح الاحتمالات والأسئلة الروائية "كان كونديرا يسير وراء الاحتمالات في بعض الأحيان لدرجة أن كل احتمال يتحول إلى فصل من فصول رواياته".
فى قول آخر لكونديرا تغلب عليه السخرية: “التفاهة يا صديقى هى جوهر الوجود، إنها معنا على الدوام، وفى كل مكان. إنها حاضرة حتى فى المكان الذى لا يرغب أحد برؤيتها فيه: فى الفظائع، فى المعارك الدامية، فى أسوأ المصائب”.