حضر مندوبون من جميع شُعب الحزب الاشتراكى فى أنحاء مصر فعاليات المؤتمر المنعقد فى مدينة الإسكندرية فى مثل هذا اليوم «30 يوليو 1922»، وقرروا بالإجماع جعل «شعبة الإسكندرية» مركزا إداريا للحزب، كذلك تقرر بالأغلبية اعتناق المذهب الشيوعى، وعلى هذا النحو حدث الانقسام فى «الحزب الاشتراكى المصرى»، وهو أول حزب اشتراكى فى تاريخ مصر، ويرصد الدكتور عبدالعظيم رمضان قصته فى كتابه «تطور الحركة الوطنية فى مصر 1918 - 1936» عن «الهيئة العامة للكتاب - القاهرة»، مؤكدا أن أول حزب اشتراكى فى مصر كان فى مدينة الإسكندرية عام 1920 وأسسه «جوزيف روزنتال» وتألف من الأجانب.
ويفسر «رمضان» ظهور هذا الحزب فى الإسكندرية أولا وليس فى القاهرة، لأن «الإسكندرية كانت تغص بالجاليات الأجنبية، وكانت بحكم موقعها على البحر المتوسط أشبه بنافذة تهب منها مختلف التيارات الفكرية الواردة من الخارج»، وفى هذه المدينة لقى المذهب الجديد أول استجابة له بين الموظفين والصناع الأجانب من اليونانيين والنمساويين والروس الذين كانت غالبيتهم من اليهود، ثم من العمال المصريين المتنورين وبعض شباب الطلبة الذين تلقوا دبلوماتهم من المعاهد الخارجية والداخلية.
ولما كان الحزب أجنبيا، ولم يفلح فى إدماج الوطنيين المصريين، سعى «رزنتال» إلى اجتذاب بعض العناصر الوطنية المثقفة الصالحة للالتحام مع فكرته بتأسيس حزب اشتراكى مصرى يكون لسان حال نقابات العمال، للدفاع عنهم فى المجلس النيابى وغيره، وبالفعل انضم إليه «حسنى أفندى العرابى، والدكتور على العنانى أفندى، وسلامة موسى أفندى، والأستاذ عبدالله عنان»، ليكونوا الحزب «الاشتراكى المصرى» فى منتصف شهر أغسطس 1921.
أعلن الحزب برنامجه يوم 29 أغسطس 1921، وصدره بديباجة طويلة بليغة، أعلن فيها «صراع المبادئ الاشتراكية العادلة للنظم الرأسمالية» و«إن الأغلبية الساحقة فى المجتمع الحاضر قد استعبدتها أقلية صغيرة متعدية تستأثر برؤوس الأموال وأرزاق الطبيعة استئثارا لا تبرره عدالة فى العالم»، وعلى الرغم من الهجوم الكاسح فى الصحافة ضده، فإنه بدأ فى ممارسة نشاطه السياسى والاجتماعى، وجعل من البداية مركزه الرئيسى فى القاهرة، ثم أخذ يمد فروعه إلى الأقاليم، وأقام شُعبا فى طنطا وشبين الكوم والمنصورة، ويشير «رمضان»، نقلاً عن سلامة موسى، إلى اجتذب الحزب لعشرات من المحامين والأطباء والمعلمين، حتى انضم إليه بعض الأغنياء، وفى أوائل يناير 1923 ذكرت «الأهرام» أن عدد المصريين فى شعبة الإسكندرية نحو أربعمائة، بينما يبلغ المنتمون إلى الحزب نحو 1500.
بينما كان الحزب يمارس نشاطه أخذت الخلافات الأيديولوجية تتفاقم بين أعضائه من المثقفين والعمال من الوطنيين والأجانب، حتى انفجرت فى 30 يوليو 1922 بطرد المثقفين من الحزب، وفقا لما يذكره «رمضان»، وشرح سلامة موسى سر هذا الانقسام، فقال: «كنا نعرف من قبل أن مسيو روزنتال من غلاة الاشتراكيين، وهو مع اجتهاده فى نشر الدعوة الاشتراكية منذ أكثر من عشرين عاما، لم يفلح فى إدماج الوطنيين فى الجماعة الإفرنجية التى تلتف حوله، وإنما أقبل الوطنيون على الحركة عندما رأوا اعتدالنا وإخلاص نيتنا، فاقتصرنا نحن على مجاملته من غير أن نرتبط بمبادئه، وجعلناه ينتظم فى سلكنا بدلا من أن ننتظم نحن فى سلكه، وعلى هذا سرنا جملة شهور، إلى أن رأى مستر روزنتال أن صدره لا يتسع لاعتدالنا، وأن محاولته لكى يجرنا إلى خطته قد ذهبت عبثا، فاتفق مع بعض ضعاف الرأى على نقل الحزب إلى الإسكندرية، وما ندرى إلا وشعبة الإسكندرية قد اصطبغت بصبغة الغلو المضحك المبكى، وأعلنت أنها الرأس وغيرها الفرع».
أما روزنتال فاتهم «لجنة العاصمة» بعدم الإخلاص، وتفوق فرع الإسكندرية عليها، غير أن فؤاد شمالى، وهو من المتطرفين، أورد أسبابا أكثر صراحة وأهمية: «فى يوم 30 يوليو عقد فى الإسكندرية مؤتمر حضره مندوبون من جميع شعب الحزب فى أنحاء القطر، بينهم وفد عن أعضاء لجنة القاهرة، وتقرر بالإجماع جعل شعبة الإسكندرية مركزا إداريا، وتقرر بالأغلبية اعتناق الحزب للمذهب الشيوعى»، ويستخلص عبدالعظيم رمضان من هذا، أن أسباب الخلاف كانت على إعلان صفة الحزب الشيوعية، فقد وجدت العناصر الشيوعية أن مركب الحزب فى القاهرة قد أثقلت بعناصر التجار والملاك والمحامين، مما من شأنه تعويق ترويج المذهب الشيوعى.