الصورة النمطية للخليجى فى أذهان بعض المصريين ليست منصفة، فالبعض يراهم ممتلكى الدولارات التى لا يعرفون أين ينفقونها، والبعض الآخر يراهم قبائل متناحرة؛ بينما نرى أقلاما مأجورة تحاول خلق فجوة بين المصريين والخليجيين لأسباب سياسية لا تخفى.
وعندما نقيّم الأمر بموضوعية نجد أن هذه الآراء تستند إلى نوادر لها من الواقع ما يؤيدها لكنها ليست القاعدة، فمنهم من يستند إلى ذلك الخليجى الذى سار بسيارته الفارهة وهو يلقى الدولارات فى شوارع لندن،أو ذلك الملياردير الذى دفع 75 مليون استرلينى لطليقته؛ ومنهم من يستند إلى صورة الكفيل الذى لا يرحم ؛أو إلى حوادث عارضة لا ينبغى علميا البناء عليها.
ويتناسى هؤلاء وقفات الخليجيين مع مصر فى أزماتها وحروبها ولعل موقفهم فى أثناء حرب أكتوبر 1973 ووقف ضخ البترول لأوربا وأمريكا ؛؛وما أعلنه الشيخ زايد رحمه الله إن النفط العربى ليس بأغلى من الدم العربي؛ وأضاف : إننا على استعداد للعودة إلى أكل التمر مرة أخرى فليس هناك فارق زمنى كبير بين رفاهية البترول وبين أن نعود إلى أكل التمر"وما تبعه من مواقف خالدة للملك فيصل والأمير الصباح رحمهما الله ، وكذلك مواقف السلطان قابوس وآال خليفة وغيرهم ما يؤيد اللحمة العربية فى المصاعب والشدائد.
ولعل مواقف معظم الدول الخليجية تجاه مصر بعد ثورتى 25 يناير و30يونيو مواقف إيجابية فقد أمدت الدول الخليجية مصر بمشتقات البترول وكان لتحويلات المصريين بالدول الخليجية ومساعدات الأشقاء ما جعل مصر تعبر أزماتها الاقتصادية الصعبة، وقد وصل ذلك إلى الناس وأفادوا منه.
قد تحدث حوادث فردية هنا وهناك ينبغى ألا نشغل بها ونعظّم من شأنا فى القنوات الإعلامية وعلى الساسة والمثقفين أن يكون لهم الدور القائد فى لمّ الشمل بدلا من تحوّل بعض شبكات التواصل الإجتماعى إلى سباب وشتائم ونعرات قبلية فاسدة.
ومن الثابت تاريخيا أن قبائل عربية نزحت من شبه الجزيرة العربية إلى مصر سعيا للرزق أو فى فتوحات إسلامية أو فى فترة المجاعات التى تعرضت لها شبه الجزيرة فاستقرت فى مصر ووجدت فى أهلها حبا ونسبا فاختلطت الأجناس ، ولعل من يقرأ كتاب "البيان والإعراب عما بأرض مصر من الأعراب" لأحمد بن على بن عبدالقادر المقريزى المصري(ت 845ه) يجد أن قبائل عربية كثيرة هاجرت أو هُجّرت إلى مصر بأكملها وتوطنت فى الدلتا والصعيد.
كما أن الجامعات الخليجية قد خطت خطوات كبيرة نحو الجودة والاعتماد الأكاديمى ، ولم أر خليجيا ينكر دور مصر التعليمى فى بلدانهم قديما وحديثا ، وهناك طفرة تعليمية فى التعليم ولا سيما تعليم الإناث ولعل كثرة الجامعات الخليجية وجودتها تنبئ عما وصل إليه حال التعليم هناك، وقد درّستُ بجامعات خليجية ولمست كيف يوقّرون الأستاذ المصرى والطبيب المصرى ، ومن يتابع ما قاله الشيخ محمد بن زايد والشيخ الدكتور سلطان القاسمى عن دور مصر يلمس مدى التوقير والاحترام والاعتراف بهذا الدور الريادي.
ربما يلجأ الشعب المصرى إلى النكت على الخليجيين كما ينكّت على الصعايدة ولكن ينبغى ألا تحرّكنا الأهواء وتفرقنا الكلمات.
هنالك أبواب ينبغى أن تعالج كقضية الكفيل حيث تقع حوادث تسلط وإهدار حقوق واجبة، لكن ذلك كما قلت حوادث فردية فى حاجة إلى إيجاد نظام بديل لنظام الكفيل لأن معظم المشكلات ربما كانت نابعة منه.
لقد أثّر الخليج فى المجتمع المصرى فى الملبس وأحيانا فى الفعل السياسى والمذهبى وهذا راجع إلى أعداد المصريين الذين عملوا بالخليج لفترات طويلة، فتشرّبوا بهذه الطباع؛ فهناك قرى فى الدلتا جعلت عناوين متاجرها بمسميات خليجية ؛ وهناك قرى بصعيد مصر تعتمد اعتمادا كليا على الخليج فى ملابسها ومستلزماتها.
فى الجوائز الثقافية ببلدان الخليج يحصد المصريون النصيب الأوفى عن جدارة؛ كما أن كُتّاب المجلات الخليجية معظمهم مصريون.
إننا نود أن يأتى الخليجيون ليقضوا إجازاتهم بمصر تنمية للاقتصاد المصري، وأن نرى التكامل العربى بين جميع الدول العربية، فالتحديات صعبة ونواجه عواصف ثقافية وسياسية واحدة وهذا يتطلب التلاحم والوحدة.
لقد تغيّر الخليج؛ فهل تتغير نظرة بعض المصريين إلى الخليجي؟