بعد الأحداث الأخيرة التى وقعت فى تركيا فى الفترة الأخير قال الرئيس التركى، رجب طيب أردوغان "إن تركيا لم تعد مثلما كانت فى الماضى"، وكان يقصد من ذلك تدخل الجيش فى الشأن السياسى للبلد وفشلهم فى حركتهم الأخيرة التى أتاحت الفرصة لأردوغان للقضاء على دور الجيش فى هذه النقطة، ولعل أردوغان كان يخطط منذ قديم للوصول لهذه النقطة والقضاء على دولة كمال أتتاتورك مؤسس الدولة التركية الحديثة.
فى بداية سنة 2015 قدمت مجلة إيكونوميست البريطانية سؤلا مهما هو: ما الذى بقى من إرث أتاتورك؟ وذلك بعد ملاحظة أن أردوغان يحلم بتركيا تهيمن فيها الغالبية السنية، ويتم عبرها إحياء الإمبراطورية القديمة.
بنى أردوغان مكان مزرعة أتاتورك بالقرب من أنقرة، قصراً منيفاً يتكون من 1150 غرفة، بكلفة 615 مليون دولار، كما أمر أن يتم تعليم اللغة العثمانية القديمة، وإعادة الكتابة بالأحرف التى استبدلها أتاتورك، فى عام 1928، بأخرى رومانية، إجبارياً فى مدارس الإمام الخطيب الدينية، والتى تضاعف عددها بنسبة أربعة أضعاف منذ أن وصل حزبه العدالة والتنمية (أى كى) إلى السلطة فى عام 2002.
ما حدث فى تركيا فى الفترة الأخيرة ستغير وجه تركيا للأبد، فمن ناحية المشاهد المهينة لأفراد الجيش الذين تم القبض عليهم من قبل الشرطة المدنية قبل أن يتم الاعتداء عليهم من قبل مدنيين مؤيدين لأردوغان وبث تلك المشاهد على الشاشات سيظل فى ذاكرة الأتراك الذين يقدرون لتلك المؤسسة الكثير من المواقف، وستظل علامة فارقة فى تاريخ العسكرية التركية والذى كانت مستاءة سابقا حين حوكم أبناؤها أمام محاكم مدنية بايعاز من أردوغان وحكم عليهم فى محاكمات وصفها مراقبون بأنها غير عادلة.
ورغم أن أردوغان تحدث فى مؤتمر صحفى بمطار اسطنبول عقب إعلان رئيس وزرائه فشل محاولة الانقلاب وخلفه صورة كمال أتاتورك مؤسس الجمهورية الحديثة فإنه انقلب تماما على جمهورية أتاتورك.
فرئيس الجمهورية التركية والذى نجا تقريبا من محاولة انقاب وصفت بالمغامرة لعدم الاعداد الجيد لها ومحدودية العناصر المشاركة فيها بمساعدة جهاز الاستخبارات والشرطة التركية الذين يدينون بالولاء التام له شخصيا، والذى يمارس صلاحيات واسعة بالمخالفة للدستور التركى، ودائمًا ما يتهم كل من يخاصمه بتهمة واحدة هى الإرهاب أعلن من اسطنبول مدينته المفضلة تطهير الجيش التركى.
الجيش التركى الذى أحيل أكثر من أربعين ألفا من ضباطه للتقاعد منذ 2003 وحتى الجمعة الماضية سيواجه قياداته حمات اعتقالات موسعة إثر محاولة بعض عناصره الانقلاب على أردوغان، اعتقالات ستشمل من يشتبه فى تورطه فى محاولات الانقلاب أو يشتبه فى معارضته لسياسات أردوغان والذى سيدفع بالمزيد من العناصر المؤيدة له إلى الصفوف الأولى والمناصب الرفيعة فى الجيش ليتحقق حلمه بتحويل أحد أكبر جيوش العالم من سيف مسلط على رقبته إلى سيف فى يده يدين بالولاء لشخصه وليس للدولة.
كما ينتظر بعد هذه المحاولات الانقلابية، المزيد من التقييد لوسائل الإعلام غير المؤيدة لأردوغان، مع تقارير تؤكد إجراءات قوية تجاه قضاة أتراك لتكون مؤسسة العدل التركية تحت سيطرة الرئيس التركى.
خاصة أن أردوغان إجرى تغييرا كبيرا فى الدستور التركى أثناء محاولته بتأسيس جمهورية رئاسية يمسك الرئيس فيها بمقاليد الأمور وحده دون غيره ويبسط بموجبها سلطانه على كافة أرجاء تركيا لتنتهى الجمهورية الكمالية مؤسس تركيا الحديثة بانقلاب أردوغانى على مبادئها ومؤسساتها.