نشر الشاعر المصرى حسن طلب، على صفحته الشخصية بموقع التواصل الاجتماعى "فيس بوك"، قصيدة رثاء للشاعر الفلسطينى الراحل "محمود درويش"، تحت عنوان " فِلَسطِينُ التِى ستَجِىء"، احياءاً لذكرى وفاته، الثامنة.
وقال "طلب"، سأحتفل معكم بالذكرى الثامنة لرحيل محمود درويش بقصيدة كتبتها عشية رحيله فى 9 أغسطس 2008 عنوانها: (فلسطين التى ستجىء).
فِلَسطِينُ التِى ستَجِىء
********************
لا.. هذه ليست زبرجدةً
ولكن سيرة صغرى
لسقوطِ هذا القلبِ فى مستنقعٍ
وعبورِهِ البحرا
من غير أن يبتلَّ.. أو يعتلَّ.. أو يَعرَى!
*********************
نبكِى فلسطينَ الحقيبةَ؟
أم فلسطين السكَنْ؟
لا.. بل فلسطين الوطنْ!
************
وتَجمَّعَ المُتَجمِّعونْ
كلُّ الدَّلائلْ
كانتْ تُشيرُ إلى خِلافٍ ما سيَنشَبُ
بينَ مَنْدُوبِى القَبائلْ
وتَكلَّمَ المُتكلِّمونْ
حوْلَ اصْطِلاحِ (الأُمَّةِ العَربيَّةِ) احتدَمَ النِّقاشُ:
فقالَ زيْدٌ: ما القُمَاشُ؟
أجابَهُ عَمْرٌو: خُيوطٌ مِن نَسيجٍ.. لُحْمةٌ وسَدًى
فقالَ: صدَقْتَ.. لكنْ كيفَ ضاعَ قُماشُ رايتِنا سُدًى!
ومَنِ الذى نَقَضَ النَّسيجَ؟
وسلَّطَ القوْمَ الدُّعاةَ مع الرُّعاةِ.. على العُراةِ
مِنَ المُحيطِ إلى الخَليجِ!
*******************
نبكى فلسطين الزرافةَ؟
أم فلسطين الأسدْ؟
لا.. بل فلسطين الجسدْ
*******************
كنَّا اتَّفقْنا حوْلَ تَعريفِ الدَّمِ العربىِّ..
قُـلنا: إنَّهُ شىءٌ نَظيفٌ طازَجٌ.. لَـزِجٌ كَثـِيفٌ
أحمَرٌ- كالورْدِ- سائلْ!
ثُم اختلَفْنا حوْلَ مَفهومِ الجَمالِ الأُنثَوِىِّ..
وفجأةً طلَعَتْ علينا كالهِلالِ.. فلمْ تدَعْ قولًا لِقائلْ!
فصَحوْتُ مِن صمْتِى.. هتفْتُ بها:
اتبَعِينى يا ابنَةَ المُتفَيْهِقِينَ..
الآنَ يَنقُصُنا وِصالٌ أوَّلانِىٌّ
وِصَالٌ غيْرُ شَرْعِىٍّ.. لِنُصبِحَ فى مَبادِئِنا
ويَنقُصُنا نَبِيذٌ عَسْقلانِىٌّ لِتَنضبِطَ المَسائلْ!
*******************
نبكى فلسطين الحقيقةَ؟
أم فلسطين الخيالْ؟
لا.. بل فلسطين السؤالْ!
****************
وتَكلَّمَ المُتكلِّمونْ
قالَ الفِلَسطينِىُّ: لمْ أَفهَمْ سِوَى لُغةٍ
يُكلِّمُنِى بها جُرحِى
فكُفُّوا الآنَ عنْ نُصْحِى!
واسْتأنَفَ المِصرِىُّ:
كلَّا.. ليسَ يُشبِعُنى رغيفٌ ليسَ مِن قَمْحِى!
والواعِظُ السُّنِّىُّ قالَ: ستَطلُبونَ الصُّلحَ
لكنْ لنْ يصِحَّ سِوَى الذى قد شاءَ ربُّكَ أنْ يَصِحَّ..
غدًا تَتكلَّمُ الأحْجارُ بالعَربيَّةِ الفُصحَى
لِتُرشِدَ عنْ يَهُودِىٍّ تَخبَّأَ خَلْفَ جَنْدلِها!
فتَنحنَحَ البَدوِىُّ.. بَسْمَلَ ثُم حَوْقلَ ثُم قالَ:
إذا استَطاعَ الباءَةَ المُتأَهِّلُونَ..
فزَوِّجُوا سِفْرَ القُضاةِ لِسُورةِ الفتْحِ!
قالَ الشُّوَيعِرُ: هؤلاءِ الرَّهطُ ليسَ يَلِيقُ ليْلُهُمُ بِصُـبْحِى!
**************
نبكى فلسطين القصيدةَ؟
أم فلسطين السرابْ؟
لا.. بل فلسطين الترابْ!
*******************
وهنا ابتَسمْتُ لهمْ جَميعًا
ثُم إنِّى فى- هُدوءٍ قاتلٍ- ودَّعْتُهمْ
قلتُ: السَّلامُ عليْكُمُ.. الآنَ اسمَحُوا لِى بانْصِرافِى
قبلَ أنْ تَتآكلَ الأرضُ التى تَقِفونَ فوقَ تُرابِها
ويَضِيقُ باطِنُها عنِ المَوْتَى
وتَزدادَ الجَريمةُ عن مُعَدِّلِها!
*** *** ***
لا.. هذه ليسَتْ زَبرجَدَةً
لكنَّها مَنحَتْ دَمِى حقَّ اللُّجوءِ..
فمِنْ فِلسطينَ التى ذهبَتْ
مَضيْتُ إلى: فِلسطينَ التى ستَجِىءُ!
فاخلُبْ لُبَّ غيْرِى أيُّها الشِّعرُ الحَداثِىُّ الأنِيقْ!
وخَلِّ ماءَكَ راكِدًا فى ما وراءِ النَّصِّ
حتّى لا يُراقَ.. إذا أُرِيقْ!
....................
ودَعِ الحِجارةَ لِى
لِأرمِىَ فى غدٍ- مِن عُمقِ مَقبرَتِى-
مُجنزَرَةَ العَدوِّ بها
وخُذِ هذا العَقيقْ!