خطيئة الاستسهال تورط فى الجرى وراء مذكرة وزير سابق لا تتضمن اتهامات.. ونرصد 7 ملاحظات نتبرأ ذمة "الدار" المالية
من مصائب الزمن أن تدافع عن الثقافة والفنون، وحق الناس في تقديم خدمة ثقافية محترمة، فيتهمك "نائب بالبرلمان" بالدفاع عن الفساد، ثم يتقول عليك ويدعي بأنك تطالب بغض الطرف عن صرف "الملايين" في غير محلها!!
كنا في الأسبوع الماضي كتبنا تحليلًا بعنوان «ارفعوا أيديكم عن الأوبرا.. لجنة الإعلام بالنواب تخلط "أبوقرش على أبوقرشين"» تعليقًا على موقف النائب محمد فؤاد عن حزب الوفد، حين اعتبر تقريرًا رقابيًا عن إجمالى إنفاق المكافآت والمزايا للأفراد من ميزانية صندوق تمويل نشاط ومشروعات دار الأوبرا المصرية، التى بلغت نحو 18 مليون جنيه، بنسبة 91% من إجمالى ميزانية الصندوق للعام المالى 2014/ 2015، «مخالفة تستحق التحقيق». وملخص رؤيتنا، أن النائب الموقر، يعتبر أن الصرف والانفاق على الأنشطة الفنية "خطيئة".
بداية، نؤكد أننا لا نصطف بصف الدفاع عن الفساد ولا نطالب بغض الطرف عن "مليم" يصرف بوجه غير قانوني، وحتى يرتاح بال "النائب الموقر"، فإننا نكافح الفساد بالمؤسسات الثقافية منذ عام 2006، وكنا أحد مؤسسي وعضو مجلس أمناء "الجبهة المستقلة للرقابة على المؤسسات الثقافية" عقب ثورة 2011، مع نخبة من مثقفي مصر، وتمثل دور الجبهة في الرقابة المالية والإدارية فحسب إيمانًا منّا بأن الرقابة على الإبداع "جريمة"، وإنما مكافحة الفساد واجب على كل من يستطيع إلى ذلك سبيلًا، كذلك شاركنا كعضو مجلس أمانة في "جماعة الدستور الثقافي" التي ضمت ألف مثقف عام 2012.
كلمات الماغوط التي يستخدمها عضو البرلمان للغمز واللمز، لا تنطبق علينا، ولو كلف نفسه عناء البحث لعرف عنا مواقف منذ سنوات ضد الفساد المالي والإرداري بوزارة الثقافة، لكنه الاستسهال الذي وقع فيه "النائب الوفدي"، ودفعه إلى الجري وراء رقم مجرد من سياقه ومن "تكيفاته القانونية"، كذلك اللهث وراء مذكرة وزير الثقافة السابق عبد الواحد النبوي للرقابة الإدارية لفحص صندوق تمويل نشاط ومشروعات الأوبرا، وهي مجرد طلب بالفحص وليس بيان اتهام أو إقرارًا من جهة رقابية، ما أسقط من حسابات محمد فؤاد أن يتساءل عن تقرير الرقابة الإدارية الذي انتهى إلى عدم وجود مخالفات.
إنه الاستسهال، الذي يدفع إلى الجري وراء "بطولة زائفة"، متهمين الآخرين بالدفاع عن الفساد، ومصدرين الذات باعتبارها "الوحيدة" المدافعة عن المال العام!! وبدلًا من المطالبة بزيادة ميزانية وزارة الثقافة برمتها والنشاط الثقافي نجري وراء "شبهات" رددها وزير رفضت الجماعة الثقافية سياساته، وصل الأمر بلقاء رئيس الوزراء وقتها المهندس إبراهيم محلب مع عدد من الكتاب والمثقفين لبحث "كوارث النبوي" الثقافية!!
الاستستهال أيضًا ورط حزب الوفد في إصدار تقرير تحت مسمى "تقرير رقابي عن صندوق تمويل نشاط ومشروعات دار الأوبرا المصرية" لم يتفهم كاتبوه طبيعة الصندوق ولا اللوائح المنظمة للعمل به، وإنما اعتمد الأمر على "أباطيل مسئول" إن صحت لوجبت محاكمته عن صمته، وأصبح ضروريًا أن يجيب عن سؤال: لماذا صمت على فساد طوال بقائه في المنصب؟!
هنا نرصد سبع ملحوظات تختص ببراءة صندوق تمويل نشاط ومشروعات دار الأوبرا، ونعرضهم على لجنة الإعلام بكاملها، لتعرف أولا ثم تقرر، بدلًا من الوقوع في خطيئة الاتهام المسبق، التي نتمنى ألا يقع أحدٌ فيها، ولتسمح لنا اللجنة والنائب أن نطالبهم بتبني مطلب زيادة ميزانية وزارة الثقافة، والتي تعد من أقل ميزانيات الوزارات العربية، فالثقافة الجزائرية تنفق ما بين 320-350 مليون دولار، أكثر من 3 مليارات جنيه مصري، وعدد سكان الجزائر حوالي 35 مليون نسمة، أما تونس التى لا يزيد سكانها عن 10 ملايين نسمة تخصص ما يقترب من المليار جنيه للثقافة سنويًا للثقافة!! وإلى الملاحظات السبع..
أولًا: يسمى الصندوق بصندوق تمويل نشاط ومشروعات دار الأوبرا المصرية، لكنه لا يشمل خطة استثمارية تستهدف أعمال التطوير وشراء الآلاء والمعدات، ما يعني أنه من الطبيعي أن تكون مخصصاته للأنشطة الأوبرالية والموسيقية والفنية، التي قوامها الفنان الفرد، فعند تنظيم حفل موسيقي مثلًا لن نجد بنود صرف تُذكر سوى أجور المشاركين من فنانين وموسيقين وفنيين وإداريين، هل معنى ذلك أن نتهم الإدارة بصرف الميزانية على الأجور والمكافآت؟!!
ثانيًا: يتم الصرف من حساب الصندوق على الأنشطة المختلفة بالأوبرا، وفقًا للقواعد المالية المقررة للصرف في المركز الثقافي القومي حتى لا يتوقف نشاطه ويؤثر على أنشطة دار الأوبرا، وقد أجازت صحة ذلك وزارة المالية والجهاز المركزى للمحاسبات، كذا الأجهزة الرقابية التي لم توضح أية ملاحظة على الأداء المالي للصندوق.
ثالثًا: يخضع الصندوق لإشراف وزارة المالية، ويتم سداد نسبة 10% سنويًا من إيرادات الصندوق للمالية. كذلك يخضع لمراقبة الجهاز المركزي للمحاسبات، ويتم تقديم تقرير متابعة ربع سنوي للإدارة العامة للتخطيط والمتابعة بوزارة الثقافة.
رابعًا: الباب الأول بالصندوق يشمل بندين فقط، الأول: بند خبراء أجانب؛ للصرف على أجور الفنانين الأجانب بفرق الهيئة المختلفة، فصرف 2 مليون جنيه تحت مسمى خبراء أجانب ليست جريمة، فمن بينهم مثلًا مطربة أوبرالية تؤدي دور "عايدة"، كذا بينهم كل الفرق والفنانين الأجانب، وليس بند خبير هنا شبيه بـالخبير الأجنبي الأكذوبة في فيلم "لا تراجع ولا استسلام"، صاحب مقولة "كلهم شمال"، وهي الصورة الشعبوية عن مفهوم الخبير، الأمر الذي يختلف كلية في مجال الفنون الأدائية، ونربأ بمجلس النواب أن يقع في شراك "الوعي المسطح". أما البند الآخر من الباب الأول، فمخصص للصرف على أجور الفنانين العاملين بالجهاز الإداري للدولة.
خامسًا: الباب ثاني بالصندوق يصرف من خلاله على شراء الأكسسورات والمواد والمهمات الخاصة بخطة النشاط الفني. فيما يختص الباب الرابع بالصرف على أجور الفنانين غير العاملين بالجهاز الإداري للدولة. ويصرف على ضريبة الملاهي ونسبة "المالية" من الباب الخامس بالصندوق.
سادسًا: لا يعتبر الصندوق من الصناديق الخاصة، وكافة حساباته بالبنك المركزي وليس له حسابات بأي بنك خاص، ومنوط به تقديم وتجميع ونشر الفنون الرفيعة؛ من أجل توثيق الروابط الثقافية والفنية بين مصر ودول العالم المختلفة.
سابعًا: منذ إنشاء المركز الثقافي القومي "البيت الفني للموسيقى ودار الأوبرا- صندوق تمويل نشاط ومشروعات الأوبرا" فإنه يعمل بالنظام نفسه منذ افتتاحه 1988، ويخضع لرقابة وزارة المالية والجهاز المركزي للمحاسبات، وبالتالي فإن أي تحرك برلماني يجب أن يدعم بوثائق من الجهات الرقابية التي لم ترد أية ملاحظة، وخلت تقاريرها من أية اتهامات أو إدانة للعاملين بالأوبرا.
إن الدفاع عن المال العام واجب، ويحسب للنائب غيرته على أموال الشعب وتأدية دوره، لكن مصيبتنا الحقيقية، أننا نجري وراء أية معلومات دقيقة او غير دقيقة، ناهيك عن أننا نوكل الأمر إلى غير أهله من المختصين، فليس معنى انتخاب شخص من قبل الشعب للتشريع – هكذا يفترض- يعني معرفته بالعمل الثقافي، فأغلب النواب- لا نقول جميعهم طبعًا- لا علاقة لهم بالفنون أو الثقافة من قريب أو بعيد، بل إن بعضهم لا يقرأ القوانين الأمر الذي يجعل رئيس المجلس يكرر كل جلسة "اقرأوا القوانين".