"انتهى الأستاذ حسان جلال – وهو محام تحت التمرين – من كتابة المذكرة القضائية –التى شرع ينشئها منذ الصباح الباكر– فى تمام الساعة الثانية عشر وكان الجهد قد نال منه كل منال فاستند إلى ظهر كرسيه فى إعياء نصب. ومد يده إلى فنجال قهوة وارتشفه وهو ينظر إلى الأمام بعينيه يوشك أن يلتقى جفناهما" هذا جزء من قصة قصيرة بعنوان التطوع للعذاب للأستاذ الكبير نجيب محفوظ نشرت فى مجلة الرسالة العدد 382 بتاريخ 28 أكتوبر 1940 لكنها ظلت قابعة فى المجلة ولم تنشر مرة ثانية فى أى مجموعة قصصية.
يظل الأديب العالمى نجيب محفوظ متجددا طوال الوقت ويظل إرثه الكبير والمهم مفتوحا للباحثين والنقاد والشغوفين بقراءة الحاصل على نوبل والمشهور برواياته المميزة والمهمة وبقصصه الكثيرة التى أشاد بها الجميع ورأوها مشبعة بمعرفة الحياة وخبرتها، حتى أن الكاتب محمد حامد، قدم فى كتابه (نجيب محفوظ بنية السرد الأولى) 12 قصة تنشر لأول مرة معًا فى كتاب واحد.
والكتاب الصادر عن دار قلمى قول محمد حامد فى مقدمته "عن أديب العربية الأشهر نجيب محفوظ يسعدنا أن نلملم شعار المنثور الراقى في بنية القص المحبوك والمكثف الذي يتخذ الاختزال عنوانا ثابتا أو كسر أفق التوقع بنية إبداعية خلاقة. عبر صفحات هذا الكتاب سيجد القارئ اثنى عشرة قصة قصيرة متنوعة البناء والمضمون مع طائفة متنوعة من الشخص والتداخل الزمنى والمكاني المحكم.. للقارئ الحق فى أن أخبره أن أول قصة فى هذه المجموعة قد نشرت سنة 1940 أما القصة الأخيرة فى المجموعة فقد نشرت سنة 1945".
وفى هذا الكتاب نحد بعد مقدمة عرض لنجيب محفوظ وتاريخه الإبداعي نجد "سوسيولجية القصة القصرة عند نجيب محفوظ" يرى فيها محمد حامد أنه إذا ألقينا نظرة على مجمل الآثار القصصية لمحفوظ نلاحظ أن كتاباته الأولى (همس الجنون ودنيا الله) وكتاباته الثانية (تحت المظلة، خمارة القط الأسود) لا تحمل اختلافا فى المضمون فحسب، بل إن هذا الاختلاف يشمل الشكل أيضا، فأغلب كتاباته الأولى تعبر أن أزمة الفرد فى لحظات مواجهته للعالم، أما كتاباته الثانية فتعبر عن رؤية للعالم تتعلق بفئة معينة تواجه من أنماط التصدع فى قيمها وفى أيديولوجيتها، نتيجة لتحولات اجتماعية وتاريخية معينة.
أما القصص الـ 12 المنشورة فى هذا الكتاب فهى (الرجل الذي لا يقاوم، حلم ساعة، التطوع للعذاب، الحب والسحر، مرض طبيب، الهذيان، القيء، ثمن السعادة، مفترق طرق، بدلة الأسير، عمى حسن، صوت من العالم الآخر).
فى هذه القصص قام الكاتب بتأريخ العدد ويوم النشر شهره وسنته، ويبدو من طريقة التسجيل أن هذه المجموعة القصصية قام محفوظ بنشرها فى مجلة الرسالة، لكن محمد حامد لم يقل ذلك صراحة، هو مما يؤخذ على الكتاب.
"القاص نجيب محفوظ شاب حديث عهد بالقصة، ولكنى أعده فى الصف الأول ومن المبرزين فيها وخاصة فى القصة القصيرة، وأقاصيصه فى مجلة الرواية تؤيد ما ذكرت، وتجعلنا نشد على يده إعجابا بفنه وتهنئة بفوزه واستبشارا بمستقبله فى عالم القصة" كان هذا رأى محمد جمال الدين درويش عن العملاق نجيب محفوظ فى بدايته والذى نقله الكاتب محمد حمدى عن مجلة الرسالة سنة 1939.