نجيب محفوظ تاريخ من "المسئولية" تجاه هموم المصريين

حمل هموم المصريين على عاتقه وتعايش مع كل طوائف الشعب، فأصبح أيقونة مصر فى العالم حتى رحل عنا منذ عشرة أعوام فى (30 أغسطس 2006) إلا أن بصماته لا تزال تزين الزمان بعبق أفكاره وتنقش على جدران الأماكن بعبقريته الفذة فى سرده للأحداث، ناهيك عن اسمه الذى مازال يدهش الجميع بعد أن ذاع صيته فى العالم كله، نجيب محفوظ ذلك الروائى المتفرد، الذى لايزال يحمل هموم المصريين منذ صغره فخلقت له مناخ فكريا تأثر به وأثر فينا بكتاباته. محفوظ الطفل الثورى ولد فى 11 ديسمبر 1911 بالقاهرة القديمة فى حى شعبى تفوح منه عطر الأصالة مزدان ببسطة المصريين من تجار وحرفيين وشحاذين وباعة ومشايخ وموظفين "أفندية" ومقاهى تميزها حكاوى روادها، خليط من الحياة الاجتماعية كانت بمثابة نافذة يطل منها مبكرا الطفل نجيب محفوظ على مدرسة الحياة الشعبية فى مصر إلى أن اندلعت ثورة 1919 ضد الاحتلال البريطانى وقتها شاهدها الصبى نجيب من نافذة أوسع فعرف جيدا كيف قتل جنود الاحتلال البريطانى شباب الثوار من المصريين وأطلقو عليهم وابل الرصاص من بنادقهم ، هنا أدرك الصبى معنى كلمة وطن. محفوظ والنهضة نعم... غيرت ثورة 1919 الحياة فى مصر بشكل جذرى، وشعر المصريون أنهم أحرار أصحاب وطن، وأنهم يجب أن يواكبو مجريات العصر ويلحقو بركب التطور، من هنا اندلعت شرارة الصناعة العصرية والتجارة الحديثة بجانب التطور اللافت فى الآداب والفنون، فظهر طلعت حرب بجوار أحمد شوقى وطه حسين وتوفيق الحكيم وأم كلثوم وسيد درويش وعبد الوهاب، كما تحولت الجامعة الأهلية التى تأسست عام 1908 إلى جامعة رسمية عام 1925 تشرف عليها وزارة المعارف بعد أن تم تحديث مناهجها لتواكب تطورات العصر وأطلق عليها (جامعة فؤاد الأول/ القاهرة حاليا)، هنا التحق الشاب الواعد نجيب محفوظ بهذه الجامعة تحديدًا ليدرس الفلسفة فى كلية الآداب، لينفتح وعيه على أفكار رجال متفردين ومتمردين أمثال ديكارت وكانت وهيجل وشوبنهور وسان سيمون وكبار فلاسفة أوروبا بدءًا من عصر النهضة حتى مطلع القرن العشرين. حب الوطن قطرات دم تجرى فى عروق محفوظ بعد اكتشاف اللورد كارتر مقبرة الفرعون المصرى توت عنخ آمون عام 1922، وانشغل العالم بالتراث المصرى، أيقن المصريون أنهم يمتلكون كنوزا مذهلة فى باطن الأرض، فانفعل نجيب محفوظ بوطنه وتاريخه وخاض أول تجاربه الأدبية، وترجم كتاب (مصر القديمة) عام 1932، وعمره 21 عامًا فقط، فكان باحثا دءوبا فى حب مصر وعشق المصريين، ستة سنوات كاملة عكف فيهاعلى القراءة، لفت انتباهه كتاب (فجر الضمير) للمؤرخ وعالم الآثار الأمريكى جيمس هنرى بريستد عام 1934 الذى أثبت فيه أن المصريين القدماء هم أول من عرف الطريق إلى الأخلاق الحميدة من خلال قراءة النصوص التى تركوها على جدران معابدهم ومقابرهم.،وبعد انتهاء مدة اعتكافه على القراءة أصدر مجموعته القصصية الأولى (همس الجنون/ 1938) ثم أولى رواياته التاريخية (عبث الأقدار/ 1939) ثم أصدر محفوظ روايتيه (رادوبيس/ 1943)، و(كفاح طيبة/ 1944)، وهما روايتان تستلهمان الحياة الاجتماعة فى مصر الفرعونية، ففى (كفاح طيبة) تحديدًا جسد إصرار المصريين على مقاومة الهكسوس ودور البطل أحمس الأول فى طردهم من البلاد، ومن هنا اندلعت شرارة رغبة محفوظ فى إثارة الهمم بين جوانح المصريين الجدد ليقاوموا الاحتلال البريطانى ويحرروا بلادهم. نشأة الواقعية فى أدب نجيب محفوظ الاحتلال والظلم الذى بطش بالمجتمع المصرى ظل يجرى فى عروق نجيب محفوظ حتى قادته طاقته الابداعية نحو الرواية الواقعية، بعد أن قرر هجر الرواية التاريخية، وهكذا تأثر بكتابات توفيق الحكيم، كما تأثر بروايات تشارز ديكنز،ودوستيوفيسكي، فكان صدور روايته الواقعية الأولى (القاهرة الجديدة/ 1945) بمثابه المفاجأة والدهشة والتشويق لقراءة لاعتبارها قفزة جديدة فى الأدب الاجتماعى الواقعى المجسد فى الرواية العربية، وبالمناسبة فقد تحولت هذه الرواية إلى فيلم عام 1966 باسم (القاهرة 30) حققه صلاح أبوسيف ولعبت سعاد حسنى وحمدى أحمد وأحمد مظهر أدوار البطولة. أصبح نجيب محفوظ يصدر رواية أو أكثر كل عام فتوالت الإصدارات تباعًا (خان الخليلى/ 1946)، (زقاق المدق/ 1947)، (السراب/ 1948)، (بداية ونهاية/ 1949)، ثم أنهى كتابة ثلاثيته الشهيرة (بين القصرين/ قصر الشوق/ السكرية) عام 1952، لكنه لم يصدرها إلا عام 1956، وهى تتويج لمشواره الطويل مع الرواية الواقعية. نجيب محفوظ رائد التجديد فى الرواية العربية كان نجيب محفوظ يمتلك براكين غير عادية تفجر العديد من الطاقات الإبداعية فى الخيال الأدبى الواسع، ففى عام 1959، أطل علينا بروايته (أولاد حارتنا)، ليعيد صياغة الأسئلة الكبرى عن علاقة الإنسان بالخير والشر والأخلاق والغيب وما وراء الطبيعة، وقد تعرض لمشكلات كثيرة بسبب التفسير الضيق المحدود لهذه الرواية الباذخة، ثم واصل مناقشة الأسئلة الكبرى التى تشغل بال الإنسان كما فى (اللص والكلاب/ 1961)، (الطريق/ 1964)، و(الشحاذ/ 1965)، كذلك مضى يجدد فى البناء الروائى مثل تجربته فى (ميرامار/ 1967)، ومجموعته القصصية (تحت المظلة/ 1969)، و(الحرافيش/ 1977)، و(حديث الصباح والمساء/ 1987). حقا... نجيب محفوظ لا يزال يعيش ويتعايش معنا فى عالم الأدب حاملا هموم المصريين فى كتاباته.








































الاكثر مشاهده

"لمار" تصدر منتجاتها الى 28 دولة

شركة » كود للتطوير» تطرح «North Code» أول مشروعاتها في الساحل الشمالى باستثمارات 2 مليار جنيه

الرئيس السيسى يهنئ نادى الزمالك على كأس الكونفدرالية.. ويؤكد: أداء مميز وجهود رائعة

رئيس وزراء اليونان يستقبل الأمين العام لرابطة العالم الإسلامي محمد العيسى

جامعة "مالايا" تمنح د.العيسى درجة الدكتوراه الفخرية في العلوم السياسية

الأمين العام لرابطة العالم الإسلامي يدشّن "مجلس علماء آسْيان"

;