انتهت مراسم التوقيع على اتفاقية كامب ديفيد بين الرئيس «السادات» ورئيس الحكومة الإسرائيلية مناحم بيجين والرئيس الأمريكى جيمى كارتر، يوم 17 سبتمبر 1978، ولفت انتباه المتابعين للحدث غياب وزير الخارجية المصرية محمد إبراهيم كامل، فلم يكن أحد يعرف أن سبب الغياب هو استقالة «كامل» احتجاجا على الاتفاق الذى تم الانتهاء إليه، ووفقا لمذكراته «السلام الضائع» سلسلة «كتاب الأهالى- القاهرة» فإن السادات طلب منه عدم الإعلان عن الاستقالة حتى الانتهاء من التوقيع على الاتفاقية، ويكشف «كامل» عن الساعات التى تلت عملية التوقيع فيما يتعلق بمصيره هو ومصير علاقته مع السادات التى تعود بجذورها إلى أربعينيات القرن الماضى، حيث واجه سويا الاتهام بمقتل أمين عثمان رجل الإنجليز فى مصر يوم 5 يناير 1946.
يذكر كامل، أنه فى الساعة الواحدة بعد منتصف الليل دخل إلى غرفته حسن كامل وبطرس غالى وحسن التهامى وأشرف غربال والفريق الماحى كبير ياوران الرئيس، وعبروا جميعا له عن مشاعرهم الطيبة نحوه، وأخبره «غربال»، أنه بعد انتهاء حفل التوقيع ذهب السادات إلى السفارة المصرية حيث تقرر أن يقيم بها خلال مدة وجوده فى واشنطن لاعتبارات أمنية، وأنه اجتمع مع رؤساء تحرير الصحف المصرية ليشرح لهم ما تم التوصل إليه فى كامب ديفيد، والخط الإعلامى الذى يسيرون عليه وبعد أن انتهى من ذلك، سأل رؤساء التحرير الرئيس عن السبب فى عدم حضور كامل حفل التوقيع، وقالوا إن هناك شائعات تدور حول استقالته، ورد عليهم السادات بأن هذا صحيح وطلب منهم عدم نشر الخبر إلا عندما يأذن لهم فى ذلك، وأن الاستقالة ترجع إلى خلاف فى الرأى وأن كامل صديقه وبمثابة ابنه، ولذا فهو يسترعى نظرهم بألا يمسه أحد بسوء فيما قد يكتبه.
ارتاح «كامل» نفسيا لانتشار خبر الاستقالة لكن بقيت أمامه مشكلة واحدة تقلقه وهى حسب تعبيره: «كيف السبيل إلى مصر دون أن يرتبط بالرئيس السادات، وبرنامج سفره عند رجوعه إلى مصر» فذهب إلى الرئيس فى الساعة العاشرة من صباح اليوم التالى «18 سبتمبر» للتحدث معه فوجده مجتمعا مع صديقه هنرى كيسنجر.
خرج كيسنجر فدخل كامل إلى السادات الذى اندهش متسائلا: «فيه حاجة يا محمد؟ ويذكر «كامل» ما دار نصا: «قلت له نعم لقد طلب فانس «وزير الخارجية الأمريكية» مقابلتى أمس قبل مغادرتنا لكامب ديفيد وأبلغنى أنك أخبرته باستقالتى رغم أنك طلبت منى الاحتفاظ بها سرا، وعلمت أنك اجتمعت أمس سرا برؤساء تحرير الصحف المصرية وأنك أكدت لهم نبأ الاستقالة وطلبت عدم نشره، كما علمت أنك حددت موعدا لمذيعة التليفزيون «بربارا ولترز» سيحل بعد نصف ساعة من الآن وسوف تسألك قطعا عن موضوع استقالتى فماذا ستقول لها؟
رد السادات: «سأقول لها إننا بلد ديمقراطى وأن من حقك أن تبدى رأيك وتستقيل دون أن أضعك فى معسكر اعتقال»، وبعد أن وجه «كامل» الشكر له سأله السادات عما ينوى فعله، فأجاب، بأنه سيعيش مع عائلته وولديه الذين لم يقم معهما منذ عشر سنوات بسبب وجوده فى الخارج، لكن السادات قال له: اختار أى سفارة تريدها، فرفض كامل.
خرج السادات من الصالون تاركا كامل الذى لم يحل مشكلة رغبته فى العودة وحيدا لمصر، وفى اليوم التالى «مثل هذا اليوم 19 سبتمبر 1978» ذهب إلى السفارة المصرية وانتظره قبل أن يتوجه إلى البيت الأبيض للاجتماع بـ«كارتر»، وقبل أن يدخل الرئيس المصعد، دخل وراءه وقال له: أريد أن أستأذنك فى السفر إلى مصر، فرد السادات: «ألم نتفق على أن تصحبنى فى رحلة العودة؟ وسنقضى يومين فى المغرب للراحة وستكون مسرورا»، يعلق كامل: «كان حرصه على أن أصحبه مقصودا منه إظهار أن الخلاف بيننا يرجع إلى مسائل غير جوهرية، بدليل أن علاقتنا مستمرة وأنى أصحبه فى رحلته فى كل مكان»، قلت له: هذا قبل أن يعرف أحد نبأ الاستقالة، فتردد بعض الشىء وقال: إذا أردت رأيى أنصحك بالسفر معى، قلت: لا أفضل العودة الآن، فقال: أنت حر إذا أردت العودة متى تسافر؟ فقلت: سأحاول السفر اليوم نفسه، فقال: «مع السلامة».