وصلت العناصر المتقدمة من القوات البرية العراقية إلى جبهة القتال فى مثل هذا اليوم «11 أكتوبر 1973»، للمشاركة مع الجيش المصرى فى حربه ضد إسرائيل، حسب تأكيد الفريق سعد الدين الشاذلى رئيس أركان حرب القوات المسلحة المصرية فى مذكراته «حرب أكتوبر» «دار رؤية - القاهرة».
كانت المشاركة العراقية واحدة من المشاركات العربية الرائعة فى الحرب، وجاءت تتويجا لجهود سابقة لعب «الشاذلى» دورا مهما فيها، فحسب مذكراته، قام نائب الرئيس العراقى صدام حسين بزيارة القاهرة ما بين 26 و28 مارس 1972، وكان صدام وقتئذ الرجل القوى فى القيادة العراقية وحزب البعث الحاكم، وتمت زيارته بمبادرة عراقية، زار «الشاذلى» العراق بعدها، ويكشف عن ظروف هذه الزيارة قائلا: «عارض الرئيس السادات أن أقوم بزيارة العراق، لقد كان رأيه فى الرئيس حسن البكر لا يقل سوءا عن رأيه فى الرئيس الجزائرى هوارى بومدين، والعاهل المغربى الملك الحسن الثانى، لكنه وافق فى النهاية على أن أقوم بهذه الزيارة من 26 مايو إلى 2 يونيو 1972، وكانت أول زيارة رسمية تقوم بها شخصية مصرية كبيرة إلى بغداد منذ سنوات عديدة».
بعد انتهاء زيارة «الشاذلى» بأربعة أيام فقط، قام اللواء عدنان عبد الجليل، مساعد وزير الدفاع العراقى بزيارة القاهرة، وكانت هذه الزيارة بمثابة النقلة النوعية فى ترجمة الرغبة العراقية فى مساعدة مصر إلى واقع عملى، وحسب الشاذلى، فإن «عبد الجليل» قال له إن صدام حسين نائب الرئيس سيقوم بزيارة إلى فرنسا فى المدة بين 14 و16 يوليو 1972 وأن السلطات العراقية تود أن تعرف الأصناف التى ترغب مصر فى أن تشتريها من الغرب بصفة عامة، ومن فرنسا بصفة خاصة، حتى يمكنها أن تتعاقد عليها وذلك كنوع من الدعم المادى لمصر.
يؤكد الشاذلى: «بدأت العلاقات المصرية العراقية تأخذ مظهرا من مظاهر التعاون، وهذا التعاون وإن كان محدودا، فإنه كان خطوة كبيرة نحو تفاهم أفضل، لقد فتحنا مدارسنا العسكرية لاستقبال بعض الطلاب العراقيين، كما أرسلنا عددا من الخبراء العسكريين المصريين إلى العراق، وقامت الحكومة العراقية من جانبها بوضع سبعة ملايين جنيه إؤسترلينى باسم وزارة الحربية المصرية فى أحد مصارف لندن حتى يمكن الإنفاق منها على شراء بعض الأصناف التكميلية الغربية التى قد نحتاج إليها».
فى 12 فبراير 1973، أى قبل حرب 6 أكتوبر بثمانى أشهر، وصل الفريق عبد الجبار سنشل رئيس أركان حرب القوات المسلحة العراقية فى زيارة رسمية إلى مصر تستغرق أسبوعا، زار خلالها الكثير من الوحدات والمنشآت العسكرية، وأطلع على كل ما يريد الاطلاع عليه، وحسب «الشاذلى»: «بهذه الزيارة التى تمت بعد 9 أشهر من زيارتى لبغداد، كانت العلاقات المصرية العراقية قد وصلت إلى ما لم تصل إليه من قبل، وبعد حوالى شهر من زيارة الفريق»، سنشل السرب العراقى من طراز «هوكز هنتر» يصل إلى مصر، حيث بقى بها حتى قامت حرب أكتوبر واشترك فيها».
يؤكد الشاذلى: كان أداؤهم فى ميدان المعركة رائعا مما جعلهم يحوزون ثقة وحداتنا البرية، ففى أكثر من مناسبة كانت تشكيلاتنا البرية عندما تطب معاونة جوية ترفق طلبها بالقول: «نريد السرب العراقى» أو: نريد سرب الهوكر هنتر، وحسب الشاذلى: إن هذا فى حد ذاته يعتبر خير شهادة لكفاءة السرب العراقى، وحسن أدائه خلال حرب أكتوبر.
امتد الدعم العراقى إلى الجبهة السورية، وحسب الشاذلى: بمجرد اندلاع حرب أكتوبر قام العراق بإجراء سريع يهدف إلى تأمين جبهته مع إيران ويسمح له بإرسال جزء من قواته إلى الجبهة السورية، واشترك فى القتال 4 أسراب جوية، وفرقة مدرعة، وفرقة مشاه، فكانت قواته فى الترتيب الثالث بعد مصر وسوريا من ناحية الكم والكيف»، يضيف الشاذلى: «اشترك أول سربين فى القتال يوم 8 أكتوبر، كما أن العناصر المتقدمة من القوات البرية بدأت تصل إلى الجبهة يوم 11 أكتوبر «مثل هذا اليوم»، ولو أن تلك القوات العراقية كانت متمركزة فى سوريا قبل بدء القتال لتغيرت نتائج القتال على الجبهة الشرقية.