ربما أنت الآن يا فاروق شوشة فى حال أفضل بعيدًا عن الحسرات التى كانت تملأ قلبك على ما وصل له العقل المصرى وحال اللغة العربية والوضع العربى وتساقط عواصمه واحدة تلو الأخرى.. ولكننا بدونك يا فاروق لسنا هكذا.. نحن كنا نأنس بوجودك.. ونعرف أن رجلًا واحدًا لا يزال هو ورهط معه يحمون عرين العربية ويحفظونها فى مكان آمن فى قلوبهم وصدورهم.
..
رحم الله فاروق شوشة.. طالما أفادتنا كتبه المهمة ومختاراته من الشعر، خاصة مختاراته لأفضل قصائد الحب والحب الإلهى.. وعلمتنا مقالاته وعرفتنا بالمئات من الشعراء والقصائد.. ويا طالما سحرنا إلقاؤه للشهر ولقاؤه الإذاعى الشهير، والذى لا يعوضه أحد..
برحيل فاروق شوشة، بيقينٍ سقط فرع أصيل وقوى ومزهر ورصين من شجرة الثقافة العربية، فرع لا يعوض.. ومن يعوض رجلًا حافظًا للقرآن وللشعر ومفوهًا وبلاغيًا وأستاذًا وإعلاميًا وشاعرًا مثله..
لا أزال أحتفظ بجل مؤلفات فاروق شوشة، وأضعها فى مكان قريب من قلبى ومكتبتى، وعلى رأسها كتابه "ثقافة الأسلاك الشائكة" و"شعراء مقتحمون".
ولا أزال أتذكر وأنا طالب فى الصف الأول من دار العلوم.. أن كانت هناك ندوة له وحضرتها.. وكنت فى هذا الوقت لا أزال أنبهر برؤية أى شاعر .. فما بالك بابن بلدى وأحد فرسان اللغة العربية فاروق شوشة.
جلست طوال الندوة، التى جاوزت الثلاث ساعات، وأنا منخطف بكل ما يقوله فاروق شوشة، هذا الموسوعى العارف بالشعر والفصيح باللغة والمفوه والجاذب والأخاذ حديثه، ومنطقه وحتى مداعباته.
ولا أزال أتذكر إلقاءه قصيدته فى دار العلوم:، والتى مطلعها:
هل تشممت عطرها وهى تخطو.. أنت سطر بها وحرف وخط
وأتذكر حماسة عبد اللطيف رحمه الله، حينما حيَّا فاروق شوشة ببيتى الشاعر أحمد مخيمر فى مديحه:
فاروق شوشة شاعر متمكن
دار العلوم بشعره تتباهى
لو أنه فى أمة وثنية
جعلته للشعر الجميل إلها..
بعد انتهاء الندوة توجهت لفاروق شوشة، وقلت له إنى من دمياط، وأريد أن أحصل على توقيعك.. والذى لا أزال أحتفظ به حاملا له كل المحبة والعرفان والمحبة..
برحيلك يا "فاروق"ربما تكون ارتحت من كل ما ضايق وأضجر مضجعك من جهل سار وانحطاط حال اللغة العربية.. ربما تكون الآن برفقة شعرائك وحالميك ونحويِّك وبلاغيِّك الذين طالما تذكرتهم وذكرتهم وحاججت بهم وحفظت وأنت آخر الحفظة للشعر العربى.. ولكننا نتألم بصدق لهذا الفراغ الهائل الذى تركت، والذى لم يكن يملأه غيرك.