صرخ الرئيس أنور السادات فى وجه الفريق سعد الدين الشاذلى، رئيس أركان حرب القوات المسلحة: «أنا لا أريد أن أسمع منك مرة ثانية هذه الاقتراحات الخاصة بسحب القوات من الشرق، إذا أثرت هذا الموضوع مرة أخرى فإنى سوف أحاكمك».
كان الاثنان ووزير الحربية الفريق أول أحمد إسماعيل وآخرون فى «مركز 10» الذى تتم منه قيادة الحرب ضد إسرائيل منذ أن بدأت يوم 6 أكتوبر 1973، وكانت الأعصاب مشدودة فى مثل هذا اليوم «16 أكتوبر» بسبب ما يذكره «الشاذلى» فى مذكراته عن حرب أكتوبر «دار رؤية - القاهرة»: «وصلتنا معلومات عن اختراق العدو صباح يوم 16 أكتوبر، وكانت المعلومات الأولية مقتضبة ولا تثير أى انزعاج، وكان البلاغ يقول: لقد نجحت جماعات صغيرة من العدو فى العبور إلى الضفة الغربية ويقوم الجيش باتخاذ الإجراءات اللازمة للقضاء عليها»، يضيف الشاذلى: «على الرغم من هذه المعلومات المطمئنة فقد رفعت درجة استعداد اللواء المدرع 23 الموجود فى القاهرة، وأصدرت إليه أمرا إنذاريا بأن يستعد للتحرك إلى الجبهة فى قطاع الجيش الثانى، وفى خلال نهار يوم 16 بدأت المعلومات تصل إلينا بأن عددا من كتائب الصواريخ قد هوجمت بواسطة دبابات العدو، وكانت بعض هذه الكتائب على عمق حوالى 15 كيلو متر غرب القناة».
كان هذا الاختراق بداية «ثغرة الدفرسوار»، وهى العملية الشهيرة فى سجلات حرب أكتوبر التى شهدت خلاف «السادات» و«الشاذلى» فى طريقة التعامل معها، وأدت فيما بعد إلى الفراق البين بين الاثنين.
كان السادات وأحمد إسماعيل فى مجلس الشعب صباح هذا اليوم «16»، فيما كان الوضع على جبهات القتال يشهد استماتة «القيادة العسكرية الإسرائيلية فى القيام بعمل عسكرى يعيد الثقة للجيش الإسرائيلى بنفسه» حسب تعبير المشير محمد عبدالغنى الجمسى فى مذكراته «حرب أكتوبر 1973» (مكتبة الأسرة- القاهرة) «فكان إقدامها على مغامرة معركة الدفرسوار، وفى نفس الوقت كانت القوات المصرية تدفع بكل بسالة فى اتجاه عدم تحقيق هدف إسرائيل».
فى ظل هذه الأجواء عقدت القيادة العسكرية مؤتمرها بعد ظهر يوم 16 أكتوبر لبحث الموقف، ووفقا لـ«الشاذلى»: «اتفقت مع الوزير «أحمد إسماعيل» على أن نقوم بتوجيه ضربة قوية ضد العدو فى منطقة الاختراق صباح يوم 17، ولكننا اختلفنا مرة أخرى على طريقة توجيه هذه الضربة، كانت نظريتى فى ضرورة إعادة الاتزان إلى مواقعنا الدفاعية بسحب جزء من قواتنا فى الشرق إلى غرب القناة مازالت قائمة، ولكن مع تعديل فى الأسلوب طبقا للموقف الجديد، اقترحت سحب الفرقة 4 المدرعة، واللواء المدرع 25 من قطاع الجيش الثالث خلال الليل، وأن نقوم فجر باكر بتوجيه الضربة الرئيسية ضد قطاع الاختراق بثلاثة ألوية مدرعة ولواء مشاة ميكانيكى من غرب القناة وفى اتجاه شمال شرقى، وفى الوقت نفسه يقوم اللواء 116 مشاة بتوجيه ضربة ثانوية من الغرب إلى الشرق، بينما تقوم الفرقة 21 مدرعة بتوجيه ضربة من مواقعها شرق القناة فى اتجاه جنوبى، بهدف إغلاق الطريق المؤدى إلى الثغرة من الشرق».
يؤكد الشاذلى، أن «إسماعيل» كان ضد أى فكرة لسحب القوات من الشرق إلى الغرب، وصمم على ذلك عكس «الإجماع بين العسكريين» ويدلل على هذا الإجماع بقوله: «فى حديث هاتفى مع اللواء عبد المنعم واصل لتبادل الرأى حول هذا الموضوع أفاد بأنه يفضل أن يتم سحب اللواء 25 المدرع وأن يقوم بتوجيه ضربته ضد الثغرة من الغرب، وأبلغنى بأن قائد اللواء 25 المدرع يشاركه هذا الرأى».
استعان «الشاذلى» برئيس الجمهورية الذى وصل إلى المركز 10: «شرحت اقتراحاتى»، ولكن الرئيس لم يمهلنى لكى أتم وثار ثورة عارمة وفقد أعصابه وأخذ يصرخ فى وجهى بعصبية: «لا أريد أن أسمع منك مرة ثانية هذه الاقتراحات الخاصة، إذا أثرت هذا الموضوع مرة أخرى سأحاكمك، حاولت أن أشرح له بأن المناورة بالقوات شىء والانسحاب شىء آخر ولكنه كان فى ثورة عارمة لا يريد أن يسمع».
أصيب «الشاذلى» بجرح عميق من كلام السادات حسب تأكيده: «جال بخاطرى أن أستقيل، ولكن سرعان ما استبعدت هذا الخاطر».