كانت الساعة الثالثة صباحًا، حين وصل إلى باب قصر «الطاهرة» على غير انتظار عدد من الضباط الشبان العاملين فى القيادة العامة للقوات المسلحة المصرية، كان عددهم يتراوح بين 12 و15 ضابطًا، وحسب محمد حسنين هيكل فى كتابه «أكتوبر 1937 - السلاح والسياسة»، طلبوا الدخول لمقابلة الرئيس السادات، فتصدت لهم الحراسة، ونشأ موقف ينذر باحتمال حدوث مضاعفات، وجرى استدعاء الضابط النوبتجى فى مكتب الشؤون العسكرية، الذى تدارك الأمر، فدعا الضباط القادمين فى الفجر للدخول إلى مكتبه والتحدث معه بهدوء.
وقع الحدث فى مثل هذا اليوم «18 أكتوبر 1973»، أى بعد 12 يومًا من بدء حرب أكتوبر، وكانت الأجواء ملبدة بالغيوم بعد مرور 3 أيام على قيام القوات الإسرائيلية بـ«ثغرة الدفرسوار»، دون قدرة القوات المصرية على إنهائها، ووفقًا لـ«هيكل»: «أصر الضباط على مقابلة رئيس الجمهورية والقائد الأعلى، وحين قيل لهم إنه نائم أصروا على إيقاظه، وبسبب الظروف والملابسات وتوتر الجو فى مناخ حرب، فإن الضابط النوبتجى طلب منهم أن يمنحوه فرصة ليتحدث إلى الرئيس السادات، وبالفعل صعد إلى الدور الثانى متوجهًا إلى قاعدة السكرتارية بجوار غرفة نوم الرئيس، وشرح ظروف الموقف الخطر الذى حل بالقصر فجأة، ثم اقترح إيقاظ الرئيس، ووضع الأمر أمامه، يشير فيه ما يرى».
فوجئ الرئيس الذى كان مستغرقًا فى النوم بأحد أفراد سكرتاريته يوقظه مضطربًا، ويروى له ما حدث، وانفعل الرئيس لأول وهلة، ثم سكنت أعصابه عندما جاء له الضابط النوبتجى، ونقل له مشاعر الضباط القادمين فى الفجر، وأنهم يريدون مقابلته باعتباره القائد الأعلى للقوات المسلحة، ولم تصدر منهم كلمة خارجة أو تصرف غير لائق، فارتدى الرئيس «روب دى شامير» على بيجامته وخرج إلى الصالون المجاور لحجرة نومه، ووفقًا لـ«هيكل» فإن اثنين أو ثلاثة من الضباط بدأوا يتكلمون فى نفس اللحظة، ورجاهم الرئيس أن يتحدث واحد منهم كى يفهم بهدوء، وتكلم أحدهم وكان مؤدى كلامه:
«إنهم جميعًا من ضباط القيادة، وقد لجأوا إليه باعتباره القائد الأعلى عندما شعروا طوال الليل بأن القيادة العامة للقوات المسلحة فى حالة انقسام تجاه ما يمكن عمله لوقف الثغرة، وفى حالة عجز عن مواجهتها، وأنهم فكروا وتناقشوا، وطافت برؤوسهم أفكار وصفها الضابط المتكلم بأنها مجنونة، لكنهم سيطروا على أعصابهم، وقرروا أن يلجأوا إليه لأنه لابد أن يفعل شيئًا بنفسه فى هذه اللحظة، وأن يتدخل بشخصه لإعادة الأمور إلى وضع صحيح سليم، فمصير البلد فى خطر، ومصير قواتها المسلحة معرض لكارثة».
يؤكد «هيكل» أن الرئيس كان يصغى باهتمام، ودارت مناقشات شابتها العصبية فى بعض اللحظات، ثم تمكن من السيطرة على الموقف بالكامل، وكان آخر ما قاله: «اطمئنوا يا أولادى، واتركوا لى الموقف، وأنا المسؤول عن البلد وعن الجيش»، وبعد أن انصرف الضباط ظل السادات جالسًا فى الصالون، وطلب غليونه وعلبة التبغ وراح يدخن فى صمت.
فى الساعة التاسعة صباحًا كان وزير الحربية، الفريق أحمد إسماعيل، مع الرئيس، وطال حديثهما لساعة وعشر دقائق، وفوجئ «إسماعيل» بما سمعه عن قصة الضباط، وكان رد فعله بأن الأمر خطير، ويستدعى التحقيق معهم، لكن الرئيس رد: «ليس وقته». ويؤكد «هيكل»: «كان ما حدث عند الفجر قد عرف فى دوائر محدودة، ووصل إلى بيت الرئيس فى الجيزة، فتوجهت السيدة جيهان مسرعة إلى قصر الطاهرة، لأن الفريق أحمد إسماعيل مازال مجتمعًا بالرئيس، وكتبت بخط يدها على ورقة رسالة إلى إسماعيل، قالت فى بدايتها: سيادة الفريق أستحلفك بالله أن تجد من بين رجالك الصالح لقيادة المعركة، وممن تتوافر لهم ثقة الضباط، ثم أكملت الرسالة واستغرقت ستة أسطر، وطلبت إلى فوزى عبدالحافظ، سكرتير الرئيس، أن يعطيها للفريق إسماعيل فى يده، وهو يقوم بتوصيله إلى سيارته بعد انتهاء المقابلة».
توجه السادات بعد ذلك متعبًا ومرهقًا إلى لقائه الأخير مع رئيس الوزراء السوفيتى «كوسيجين»، ولم يطل اجتماعهما أكثر من ساعة تم الاتفاق خلالها على نقطتين، الأولى استعداد مصر لقبول وقف إطلاق النار، والثانية أن يتم ذلك فى مقابل انسحاب إسرائيل من الأراضى المحتلة طبقًا لقرار 242.