استيقظ الرئيس السادات من نومه فى الساعة السادسة وعشرة دقائق من صباح مثل هذا اليوم «19 أكتوبر 1973»، أى فى اليوم الرابع عشر من حرب أكتوبر، كانت رأسه مزدحمة بهواجس كثيرة، حسب تعبير محمد حسنين هيكل فى كتابه «أكتوبر 1973- السلاح والسياسة»، وتم تصفية هذا الازدحام فى النهاية إلى نقطتين، يحددهما «هيكل» فى:
النقطة الأولى تتعلق بموقف الاتحاد السوفيتى، وما يمكن أن يتطور إليه بعد اجتماعاته بالأمس «18 أكتوبر» مع «كوسيجين»، وأملى من فراشه برقية لإرسالها إلى الرئيس السورى حافظ الأسد، يخطره فيها بأنه سيرسل له مبعوثا خاصا يحمل مع تحياتى يطلعه على نتائج الاجتماعات مع رئيس الوزراء السوفيتى.
أما النقطة الثانية التى شغلت السادات فكانت نتائج مهمة الفريق سعد الدين الشاذلى رئيس أركان الجيش إلى جبهة القتال التى بدأت يوم «18 أكتوبر»، حيث طلب منه الرئيس التحرك إلى الجيش الثانى لكى يعمل على رفع الروح المعنوية، وبذل ما يستطيع لمنع تدهور الموقف بعد وقوع «ثغرة الدفرسوار» التى جعلت القوات الإسرائيلية فى موقف أفضل مما كانت عليه مع بدء الحرب «مذكرات سعد الدين الشاذلى - دار رؤية - القاهرة».
يؤكد هيكل، أن الأوضاع فى الجبهة كانت هى القوة الضاغطة الأكبر على السادات، فاتصل بالفريق أول أحمد إسماعيل وزير الحربية الساعة السابعة إلا ربعا وأخبره «إسماعيل»، أنه كان حتى دقائق قليلة على اتصال بـ«الشاذلى»، والموقف يعود إلى السيطرة تدريجيا، وأن قوة مكونة من لواء من المظلات وكتيبتين من الصاعقة تمكنت من إيقاف تقدم قوات شارون «رئيس وزراء إسرائيل فيما بعد»، وأضاف «إسماعيل» للسادات: «يبدو أن القوات الإسرائيلية كانت تستهدف التقدم نحو الإسماعيلية بقصد احتلالها، ولكن تقدمها تم إيقافه بخسائر فادحة للإسرائيليين، مع خسائر كبيرة أيضا للقوة المصرية التى نجحت فى تحقيق هدفها، وأن المعركة بصفة عامة مستمرة بين جذب وشد، لكن الاحتمالات كبيرة فى إمكانية قفل الثغرة هذه الليلة «19 أكتوبر»، ثم التعامل مع بقية القوات الإسرائيلية الموجودة فى الغرب.
طلب الرئيس بعد ذلك تقرير مكتب الشؤون العسكرية عن القتال فى اليوم الرابع عشر، ولم تكن الصورة التى يحملها مطمئنة، وفى الساعة الثامنة مساء استقبل السفير السوفيتى «فلاديمير فينوجرادوف»، الذى حمل إليه رسالة من موسكو عن دعوة وزير الخارجية الأمريكى كيسنجر لزيارة موسكو ولقاء الزعيم السوفيتى «بريجنيف» وجها لوجه، وحمل السفير الصيغة الأولية لمشروع وقف إطلاق النار الذى يعتزم السوفيت تقديمه إلى كيسنجر، وينص على وقف إطلاق النار فى المواقع، على أساس تطبيق قرار مجلس الأمن 242 بما يؤدى إلى انسحاب إسرائيل من الأراضى العربية.
فى الساعة الثامنة والنصف وصل محمد حسنين هيكل إلى قصر الطاهرة، بناء على استدعاء مسبق من السادات، ويروى هيكل أن السادات كان مجتمعا مع السفير السوفيتى، وانتظره فى الصالون ودخلت عليه السيدة جيهان السادات والوزير عبد الفتاح عبد الله، ودار ناقش بين الثلاثة حول «الثغرة» وآخر تطوراتها، وانقطع الحوار فور أن جاء من يطلبهم بالانضمام إلى الرئيس بعد أن فرغ من مقابلاته، وكان جالسا وحده فى الشرفة فى الظلام، وروى له هيكل تفاصيل اجتماعه مع وزير خارجية الإمارات أحمد السويدى صباحا فى الأهرام، واقتراح «السويدى» بأنه نظرا لاحتمال أن تطول المعركة وسط ظروف معقدة فإن ليبيا تتحمل سداد كل احتياجات سوريا، وتتكفل دول الخليج بسداد احتياجات مصر، وحسب هيكل: «كان أول تعليق للرئيس السادات على ذلك هو إبداء غضبه من القذافى «الرئيس الليبى»، قائلا: إن معمر اتصل بحافظ الأسد تليفونيا، وقال له إن هناك مشاورات لوضع مشروع لوقف إطلاق النار، وسأله أثناء الحديث عما إذا كان الرئيس السادات شاوره فيما يجرى الكلام عنه، وقال له حافظ الأسد «إنه لم يخطره بشىء»، وعقب السادات على ذلك بوصف قاس وعنيف لأسلوب القذافى، وانتقل الحديث إلى موضوع آخر فقال السادات، إن الموقف يسير نحو صدور قرار لوقف إطلاق النار، وأنه أصدر توجيهاته لـ«إسماعيل» بأن يعطيه فرصة أسبوع من الصمود تمكنه من الاشتراك فى المشاورات والوصول إلى مشروع قرار ملائم.