"لقد خرج هذا الكتاب من نفق الموت من قلب الظروف الصعبة التى تعيشها مدينة حلب"، هذه أولى العبارات التى تطالعك بها سطور كتاب "التراث فى أتون الحروب.. المخطوط العربى من القرن الخامس حتى اليوم"، للباحثة السورية بغداد عبد المنعم، لتؤكد أن قضايا التراث أصبحت اليوم أكثر عصرية من قضايا العصر ذاته.
صدر كتاب "التراث فى أتون الحروب" عن معهد المخطوطات العربية فى القاهرة، وركز موضوعه حول مصير عدد كبير من المكتبات العربية التى تضم نخبة هائلة من المخطوطات المهمة تعرضت للنهب والسرقة، فالحروب والصراعات المتلاحقة والمتعددة التى تشهدها المنطقة العربية وتأثيراتها أكبر مما يتخيل المرء، وفى صلب هذه التأثيرات يأتى التراث العربى (المخطوط) الذى عانى ويعانى الكثير فى العصر الحديث.
وقالت الباحثة فى مقدمة كتابها: "إن الحرب على الإنسان لا تنفك أبداً عن تراثه، والقتل كما يتوجه إلى الحياة يتوجه أيضاً بالدرجة نفسها من القصد والعنف إلى عقله وتحديداً إلى ذاكرته الحضارية"، لتنطلق إلى عدد من القضايا المهمة التى تخص التراث المعرض للخطر.
وانقسم الكتاب الذى وقع فى 178 صفحة إلى: تمهيد بعنوان "التراث بين الخوف منه والخوف عليه"، يليه ثلاثة فصول هي: عاصمتا التراث المخطوط فى سورية (حلب ودمشق)، النكبة والتراث المخطوط فى فلسطين (التراث المحاصر والمستولى عليه)، التراث المخطوط فى العراق بين كارثتى المغول والاحتلال الأمريكى.
وعبر مقاربات جديدة، حأولت الدراسة أن تكون مرجعية فى رصد الآثار التى خلفتها الحروب والصراعات على التراث العربى المخطوط، وخصص الجزء الأول منها لعاصمتى التراث والمخطوط فى سوريا، حلب ودمشق، والثانى لفلسطين، والثالث للعراق. كما رصدت "عبد المنعم" المكتبات التى فقدت فى فلسطين بعد الاحتلال الإسرائيلى، وتخصص فصلاً تعرض فيه ما فعله الجيش الأميركى عندما احتل العراق وما ترتب على ذلك من ضياع ثروات من المخطوطات النفيسة والمهمة.
وتكشف الباحثة كيف أن السرقة والنهب وشراء الذمم فى أثناء الحروب أو قبلها أو بعدها تسببت فى رسم خريطة جديدة للتراث العربى المخطوط فى خزائن العالم "حيث هجرت مئات الآلاف من المخطوطات إلى مكتبات حملت أسماء أصبحت مشهورة بأنها مراكز للمخطوطات العربية فى بريطانيا وفرنسا وروسيا وألمانيا والولايات المتحدة".
وأوضحت الكاتبة أن من نتائج الإرهاب ألفكرى قديماً وحديثاً أن أضطر مالكو المخطوطات إلى دفنها فى التراب، أو حرقها سراً لأنها تخألف فكرياً السلطة، وهو الأمر المستمر فى الحدوث حتى هذا العصر نتيجة وقوع صراعات من أنواع مختلفة.
كما استطاع الكتاب أن يوثق بإحصاءات دقيقة للمخطوطات التى فقدت منذ الحروب الصليبية وحتى الآن. فعلى سبيل المثال، نتج من الحروب الصليبية تدمير خزائن المخطوطات فى القدس ودمشق وطرابلس وخزانة الجامع الكبير فى حلب.
وتورد الباحثة بيتا من الشعر قاله أبو محمد على بن حزم الأندلسى (994 – 1064) ردا على إحراق ملك أشبيلية المعتمد بن عباد مخطوطات كتبه: "فإن تحرقوا القرطاس لا تحرقوا الذى تضمنه القرطاس بل هو فى صدرى". ومن بين النتائج المهمة التى تخلص إليها الدراسة أن سرقة التراث هى البوابة لسرقة التاريخ والجغرافيا جميعاً إضافة - بالطبع - إلى سرقة الإنسان نفسه.