استقل رئيس الوزراء الإسرائيلى «بن جوريون» طائرة فرنسية من مطار صغير قرب تل أبيب، متوجهًا إلى باريس تحت جنح الظلام فى مثل هذا اليوم «22 أكتوبر 1956».
تمت الزيارة فى سياق الترتيبات السرية التى كان يتم بحثها فى باريس ولندن للعدوان على مصر بسبب قرار جمال عبدالناصر تأميم قناة السويس يوم 26 يوليو 1956، وكان لإسرائيل دور رئيسى فى هذه الترتيبات، ووفقًا لمحمد حسنين هيكل فى كتابه «ملفات السويس» فإن «بن جوريون» اصطحب فى رحلته إلى باريس كل من «موشى ديان» و«شيمون بيريز» و«موردخاى أون» مدير مكتبه، ونزلوا سرًا فى مطار «فيلا كوبلاى» قرب «سيفر»، ومساء نفس اليوم عقد «بن جوريون» ووفده أول اجتماع مع الجانب الفرنسى الذى ضم «جى موليه» رئيس الوزراء، و«كريستان بينو» وزير الخارجية، و«برجيس مانورى» وزير الدفاع الذى طلب فى بداية الاجتماع من «بن جوريون» تقييمًا للموقف فى الشرق الأوسط.
طبقًا لمذكرات «ديان» و«بيريز» الذى ينقل عنهما «هيكل» وقائع الاجتماع، فإن «بن جوريون» بدأ بشرح عام للموقف فى الشرق الأوسط وعن العداء العربى لإسرائيل، وعن روح الحرب العربية، التى أثارها جمال عبدالناصر وأشعلها بدعوته إلى القومية، ثم أشار إلى صفقة السلاح السرية مع الاتحاد السوفيتى «27 سبتمبر 1955»، وإلى غارات الفدائيين فى عمق إسرائيل وتحكم مصر فى الممرات المائية للمنطقة، وانتهى إلى القول بأن ذلك يضع إسرائيل أمام موقف بالغ الخطورة، ويحتم عليها المبادرة إلى العمل قبل أن يستوعب الجيش المصرى سلاحه الجديد، ثم أوضح أن إسرائيل كانت على استعداد للعمل وحدها إذا اقتضى الأمر، ولكن تقديرها كان أنها سوف تتعرض لخسائر فادحة إذا أقدمت على ذلك، وكانت مستعدة لهذه الخسائر تدفعها ضريبة تقيها خطر التدمير الكامل إذا ما اتمت مصر استعدادها ومن حسن الحظ أن إسرائيل وجدت الآن حليفا قويا هو فرنسا.
عرض «بن جوريون» خطته ووفقًا لمذكرات «بيريز» فإنه قال: «لدى خطة بشأن الشرق الأوسط، وقد تبدو لكم خيالية، إذا استطعنا ضرب ناصر ووضعنا القناة تحت إشراف دولى وتمكنت إسرائيل من السيطرة على مشارف إيلات «منطقة طابا» وتم تجريد سيناء من السلاح فإن الموازين كلها سوف تنقلب فى الشرق الأوسط عن طريق إسرائيل ولبنان، ويتحقق كسب للغرب بأسره بما فى ذلك الولايات المتحدة الأمريكية ويتم وقف التوغل السوفيتى فى هذا الجزء من العالم، ويستعيد الإنجليز نفوذهم فى العراق ويضمنون مواردهم البترولية».
واصل «بن جوريون» كلامه: «إن ناصر يزداد قوة والسوفيت يعززون نفوذهم فى المنطقة ولعلنا نستطيع فى النهاية إقناع الولايات المتحدة بتأييد عمل مشترك، أما فيما يتعلق بالمشاركة البريطانية، فإن أى تأخير بعد الآن ربما كان مميتًا، وإنى أعرف «إيدن» رئيس وزراء بريطانيا، شخصيًا وأنا أثق مطلق الثقة من أنه متحمس للعمل المشترك وليست لديه أهداف مزدوجة، ولكن موقفه المحلى آخذ فى التدهور».
مما هو لافت فى الاجتماع ومثير للسخرية حديث «بن جوريون» عما أسماه بـ«الاعتبارات الأخلاقية للحرب»، وتكمن المفارقة هنا فى أنه يبحث كيفية شن عدوان على مصر دون وجه حق، وفى نفس الوقت يتحدث عن «الأخلاق»، ولكن من وجهة نظره، فحسب «هيكل» نقلًا عن «مذكرات ديان وبيريز» تحدث «بن جوريون» عن مخاوفه من أن يبعث الاتحاد السوفيتى من إرسال آلاف المتطوعين إلى الشرق الأوسط فى حال نشوب الحرب، وبدأ يثير نقطة لم تخطر على البال، فقال: «إنى أريد أن أطرح الاعتبارات الأخلاقية هنا، فالخطة العسكرية، التى رأيتها لا تدخل فى الحساب وجهة النظر الأخلاقية، وإذا بدأت إسرائيل الحرب فسوف تدفع بأنها دولة معتدية والعالم لا يحب العدوان، ونحن لا نستطيع مواجهته بمفردنا، ولذلك فلابد أن تدخلوا معنا فى نفس التوقيت حتى لا ينصب اللوم علينا وحدنا، نحن نقترح القيام بعمل تعاونى، وإذا وافقتم فسوف نبدأ غدا إذا أردتم، وفى الوقت الذى نتحمل فيه العبء البرى فإن عليكم أن تتحملوا أنتم والبريطانيون مسؤولية الجو».
اختتم «بن جوريون» كلامه: «دعونا نضع خطة ثلاثية يوقع الإنجليز عليها وننطلق لتنفيذها الأسبوع المقبل وسوف نتمكن من الانتهاء منها بسرعة ويعود جنودكم إلى ديارهم قبل عيد الميلاد».