تعرضت مدينة «بور توفيق» لاعتداءات إسرائيل أكثر من مرة، وذلك ضمن مخططها بضرب المدنيين المصريين، لتدارى خيبتها فى حرب الاستنزاف التى بدأت بعد نكسة 5 يونيو 1967، وأمام تكرارها لهذا النوع من العمليات، قررت مصر الرد من نفس جنس العمل، وكان البطل «إبراهيم الرفاعى» قائد «المجموعة 39 قتال» هو قائد هذا الرد، الذى يروى قصته «محمد الشافعى» فى كتابه «المجموعة 39 قتال»، الصادر عن «الهيئة العامة لقصور الثقافة - القاهرة».
كان رد «الرفاعى» هو تنفيذ تكليف له بضرب إحدى المدن التى أصبح سكانها يهود إسرائيليين، ووقع الاختيار على مدينة «بيسان»، وبالرغم من أنها من أقدم المدن الفلسطينية، فإنها صارت يهودية السكان بعد نكبة هزيمة العرب وتأسيس إسرائيل عام 1948.
وحسب «الشافعى»، فإنه لصعوبة تنفيذ الفكرة بالطائرات، اختمرت فى ذهن «الرفاعى» فكرة أخرى بدأ خطوات تنفيذها بالذهاب إلى العاصمة الأردنية عمان، وفى يوم 24 أكتوبر 1968 اصطحب معه الرائد عصام الدالى إلى عمان، وقابلا هناك الرائد إبراهيم الدخاخنى، ضابط المخابرات المصرية، وفى صباح اليوم التالى «25 أكتوبر» قابلوا أبوسامى، قائد القطاع الشمالى فى منظمة فتح الفلسطينية، وتحركوا إلى مدينة «إربد الأردنية» لاستطلاع منطقة بحيرة طبرية، حيث توجد مستعمرات «سمنح» و«أشدود يعقوب» ومدينة «طبرية»، وكشف الاستطلاع أن هذه المستعمرات صغيرة عدا مدينة طبرية فهى أكبر مدن العدو على بحيرة طبرية، فتم صرف النظر عن هذه المنطقة تماما. يؤكد «الشافعى» أن «الرفاعى» اتجه ومن معه صباح 26 أكتوبر لاستطلاع مدينة «بيسان» فى القطاع الشمالى، وتم تحديد خطة ضربها بتقسيم مجموعتين، الأولى يقودها «الرفاعى» شخصيا ومعه عصام الدالى والملازم جمال من منظمة فتح، وعدد أربعة فدائيين ومعهم المهندس نبيل والمهندس حسين الجمال من مصنع 333 الحربى، ومع هذه المجموعة ثمانية صواريخ 240 مم، وتقوم بالضرب فى منطقة شرق خربة الشيخ محمد شمال شرق جسر الشيخ حسين وتبعد عن بيسان 9 كيلومترات ونصف كيلو.
أما المجموعة الثانية فقادها الملازم توفيق من منظمة فتح، ومعه ثمانية فدائيين معهم 15 صاروخا 130 مم، وتقوم بقصف مستعمرة «حرمونيم» بعدد خمسة صواريخ، وقصف مدينة بيسان بعشرة صواريخ يتم إطلاقها من منطقة غرب تل الأربعين بمسافة كيلومتر واحد. كان الجزء الثانى من الخطة هو الاتفاق على أن يبدأ القصف فى الساعة السادسة والنصف مساء عن طريق المجموعة الثانية، بينما تبدأ المجموعة الأولى القصف فى الساعة السادسة وأربعين دقيقة على أن تتواصل المجموعتان من خلال جهاز لاسلكى فى السادسة والنصف، وتحركت المجموعتان من مدينة «إربد» فى الرابعة والنصف مساء مثل هذا اليوم «27 أكتوبر 1968»، ووصلا إلى منطقة «تل أبوالحرث» الساعة الخامسة والنصف مساء، لتنفصل المجموعتان كل منهما إلى المنطقة المحددة لها.
تعذر الاتصال بين المجموعتين كما كان متفقا، لعدم عمل جهاز اللاسلكى، وفى الساعة السابعة وخمسة وثلاثين دقيقة قصفت المجموعة الثانية مستعمرة «حرمونيوم» ومدينة «بيسان»، وفى السابعة وأربعين دقيقة ردت قوات العدو بالهاونات والرشاشات الثقيلة على منطقة «تل الأربعين»، فى نفس التوقيت قصفت المجموعة الأولى بقيادة الرفاعى مدينة بيسان بالصواريخ 240 مم فتوقف قصف العدو على منطقة تل الأربعين، وفى الثامنة مساء بدأت قوات العدو قصف مواقع المدفعية الأردنية، وحاولت قصف مدينة إربد من هضبة الجولان، لكن الدانات سقطت خارج المدينة، وردت القوات الأردنية والعراقية بقصف معاكس.
يؤكد الشافعى، أن الرفاعى والدالى خرجا من إربد فى الساعة التاسعة والنصف ومعهما أبوسامى فى إحدى عربات منظمة فتح وتوجهوا إلى درعا فى سوريا، ومنها إلى دمشق ووصلوها الساعة الواحدة صباحا، وبعد الراحة لساعات قابلوا أبوعلى أحد كبار قادة فتح، وفى الساعة 12 ظهرًا قابلوا السفير المصرى فى دمشق، وفى الثالثة عصرا تحركوا إلى بيروت ومنها إلى دمشق مرة أخرى وذلك للتمويه، وعادوا إلى القاهرة يوم 29 أكتوبر، وحسب الشافعى: «أصيب العدو الصهيونى بصدمة عنيفة جراء العملية، وذلك بعد تكبيده خسائر فادحة بين سكان المدينة بين قتيل وجريح، كما تم تدمير العديد من المنشآت، وتم حصر تسعة حرائق بالعين المجردة».