سماح الجمال تكتب: الورقة

جلستْ منى تتأملُ في المدى البعيدِ الفارغِ أمامَها ، ومعها كوبٌ من الشاي كانتْ قد
أعدته لتوِّها ووضعتْ به ورقاتِ النعناعِ المزروع ِبحديقتها الصغيرة كما تحبُّ أنْ تسميها بشرفةِ المنزل .
تعتنى بالتفاصيل دائما.. وتحبُّ أنْ تستيقظَ على رائحةِ زهورها وورودها النابضة .واليوم كانت سعيدة .. رغم انشغال بالِها ، وعلى حدودِ اتخاذ قرار مصيريّ ، لكنها هادئة تماما ، هدوءًا مؤلما .. هدوءًا لابد منه ، أمرٌ واقعٌ قدر تقبله .. ولن تعاند ،
وأخذت تتأملُ نفسَها بعينٍ أخري ، وتذكرتْ أنها منذ عشرة أعوامٍ ولم تتاملْ جسدَها ، مازالت جميلة ، زادت بضعة كيلوهات .. لكنها الزيادة الشهية المغرية .. مازالت تتمتعُ بالجمال في ملامحها .. العيون .. الشفاه .. الشعرالطويل الاسود ، تاملتْ بامتنانٍ للزمن الذي لم يعبثْ بمعالمِها وتركها طرية ًندية ،

عشرة أعوام مضت على تلك الزيجة بمُرِّها ومُرِّها .. لم يكن بها حلوٌ بل تنوعَ طعمُ المُرِّ بها ،لا تدرى لماذا استجابت للاستسلام ولم تغير ذلك المُرَّ في وقتهِ .. كانت على الأقل استمتعت ببعض الحلو بحياتها ، ما الجديدُ الذى جعلها تودعُ هذا السكونَ بكلِّ هذا التصميم ، عاشت مع الرتابة وتأقلمت عليها .. فما الذى يجعلها تكسرُ هذا السكونَ بضجيج سافر، إنها تستيقظ سعيدة ًومصممةً على إنهاء تلك العلاقة ، تحادثُ نفسَها أن الحمد لله ليس لديها أطفال تضحى من أجلهم .. سيكون الطلاقُ أمرا سهلا ، تبرقُ تلك الفكرة وتلحُّ عليها منذ فترة .. ودائما تتريث .. فزوجها ليس شريرا بالمعنى التقليدي للشر ،
الطلاق ، سمعت الكلمة وكررتها ثم عادت وتخيلتها ، الطلاق ، الحرية ، ولكنَّ عشرة أعوامٍ عمرزواجها ..عشرة أعوام داخلَ هذا القفص .. لاتدرى عن الحياة خارجه شيئا ،عشرة أعوامٍ تتلقى التعليمات والنواهى وتنفذ وتطبق كلَّ المطلوب ، عشرة أعوام استسلام ، لم تحاول أن تستخدمَ جناحيها للطيران خارج هذا العش ، لم تفكر أن ترى ماذا خلف تلك الحوائط التي تمنع عنها سفه الآخرين وغباءهم ، فدائما الجحيم هم ،
لماذا الآن ؟
لماذا تتذكر الآن أنَّ لها كيان ورغبات وآمال ؟ لماذا تهز هذا الكيان .. والآن
تثرثر مع نفسها وتتذكر النساء بعائلتها وصديقاتها الكل سعيد إلا هي ، ولكن ماهى السعادة ومعيارها ؟ وهل دخلت خلف الأبواب المغلقة لتكتشف المسكوت عنه ، الكل يظن أنها سعيدة ، أحيانا تشعر أن كل البيوت قصة واحدة من الملل وإن اختلف طعمه .
اختارت خطأ أم ، أم ماذا ؟هي من اختارت ، وهى من أحبت ، وهى التي قررت ومحمود لا عيب به ويحبها يكفى أنه صبر على عدم إنجابها رغم تعنيف أمه دائما كى يتزوج ، لا يهمنى الآن ، أنا من تطلب الطلاق ، وليتزوج كما يشاء ، إنها إرادة الله ، فلماذا تطاردها لعنات أمه ، إنها تراها بعيونها كلما جاءت للزيارة أو ذهبنا نحن إليها ، لن احتمل أكثر ، يكفى هنا ،
ذهبت لإعداد كوبا آخر من الشاي وجلست تتصفح الجرائد الصباحية بشرفة المنزل ، وما زال يلح عليها هذا الهاجس ..الطلاق ..تفكر بالأمر وكأنه لا يعنيها أوأنها تتخذ قرار تبديل مصفف الشعر .. ما تلك الحالة من البرود التي تنتابها
الأمر جاد إذن ،هي لا تلعب مصممة ليس خاطر، إنها ملت من الانتظار والترقب ،
ملت انتظار تلك الورقة قررت أن تفعلها هي وتنهى هذا الخيط المشدود الذى تسير عليه وهذ الحد الحاد القاتل ، أن تموت اليوم خيرمن انتظار الموت كل لحظة .
عندما يأتى من عمله ستخبره أنها هي التي لا تريده وليأتِ لها بالورقة ،
ستحضر حقيبتها وكل أشيائها وعندما يأتي تبلغه أنها راحلة قبل أن يذهب بها هو كجارية يردها بضاعة فاسدة معيوبة ،
سألت نفسها لماذا لا تبكى ، أغلب النساء يبكين عند ذكر الطلاق حتى لو لم يكونوا متزوجات ، هي نفسها بكت كثيرا عندما كانت ترى تلك المشاهد بالأفلام أو المسلسلات
لكنها لم تتخيل أنها تعيش تلك اللحظات ، وها هي تعيشها ولكن بلا دموع ، أم نقول دموع متجمدة خلف عيون في ذهول ، هي من تذهب لهدم هذا البيت الذى بنته مع من تحب ، نعم تحبه ، ولكن ستقوم عنه بالمبادرة .. ستتركه قبل أن يتركها وتكرهه ، ستتركه وهى تحبه حتى لا يتحول قلبها عنه ،
الطلاق هذا الانفصال والفراق والقدر المريع أحيانا هو طوق النجاة لكرامتنا وكبريائنا الجريح ،ودائما ما تصاحبه كآبة ودموع ولوعة بكاء على ماذا ؟ هي من قررت بشجاعة
هن يبكين الخوف من الاستغناء ، ولكن هنا هي من تستغنى .
أخذت في تجهيز الحقيبة لم تنسَ شيئا ، صورهما معا ، وهداياه إليها ، بعض كتب ، ملابسها التي كانت تلمسها يداه ، التي اختارها لها ،
إنه على وصول ، وهى تكره تلك اللحظات ، تكره الضعف ، ستعالج الموقف كانه أمر عادى .. كأنها تذهب لطبيب الأسنان لخلع ضرس ، نكره الطبيب والألم ولكن لا مفر ، نعم الأمر كذلك ،وستبلغه بكل كبرياء أنها هي من ستتركه ،
ولم تنسَ أيضا أن تحضر له الإفطار الذى يحبه ..هو يعود مجهدا من طول السهر بالمستشفى .. كم ألحت عليه أن يفتح عيادة ويترك العمل بالمستشفيات ،
فلتقنعه الأخرى مالها وماله الآن ،
لم تنسَ تحضير الحمام وبيجامته ، إنه زوجها على الأقل حتى الان ، نعم ساعة أخرى معه لن تضر ،
نعم وسترتدى قميصا أسودَ يحبه ومناسبا للطلاق أيضا .. وتضع قطرات من عطرهما المفضل وتدير الموسيقى الهادئة التي يحب أن ينام عليها وتضىء بعض الشموع ،لن تتركه يري دموعا أو ضعفا ،
الطلاق ليس نهاية الكون ،وليس للطلاق بروتوكالات مسبقة ، ولا يعنى الطلاق أن تصرخ بوجهه ، سامح الله المؤلفين والأفلام وتجنيهم على لحظة الطلاق .
ستخبره الآن فهو يدق الباب .. ستخبره ، وستبتسم .. وبهدوء ،
وحين رأته بتلك الضحكة .. والحب بعيونه .. فقدت كل رشدها وهربت منها الكلمات
فلتذهب أمه للجحيم وتترك ابنها لحضنها .. إنها تحبه ولن تقدرعلى تركه
سترتمى بحضنه وتبكى وتقبله وتخبره لا اريد الطلاق ، أريدك أنت .



الاكثر مشاهده

"لمار" تصدر منتجاتها الى 28 دولة

شركة » كود للتطوير» تطرح «North Code» أول مشروعاتها في الساحل الشمالى باستثمارات 2 مليار جنيه

الرئيس السيسى يهنئ نادى الزمالك على كأس الكونفدرالية.. ويؤكد: أداء مميز وجهود رائعة

رئيس وزراء اليونان يستقبل الأمين العام لرابطة العالم الإسلامي محمد العيسى

جامعة "مالايا" تمنح د.العيسى درجة الدكتوراه الفخرية في العلوم السياسية

الأمين العام لرابطة العالم الإسلامي يدشّن "مجلس علماء آسْيان"

;