تقدم الرئيس السورى شكرى القوتلى الحشد الكبير، ومعه ووزراء ومسؤولون وحزبيون ورجال دين مسلمون ومسيحيون ومواطنون، جاءوا للمشاركة فى احتفال القداس بالكاتدرائية المريمية للروم الأرثوذكس يوم 9 نوفمبر 1956 فى العاصمة السورية دمشق، لتأبين البطل «جول جمال»، الذى لقى استشهاده فى معركة «البرلس البحرية»، إحدى المعارك البطولية للجيش المصرى والمقاومة الشعبية فى «مثل هذا اليوم 4 نوفمبر 1956» ضد العدوان الثلاثى على مصر «فرنسا وبريطانيا وإسرائيل».
فى كلمته قال «القوتلى»: «بين شاطئ اللاذقية وشاطئ بورسعيد، استطاع جندى سورى ثاقب بصره وعميق إيمانه وعظيم حبه لوطنه وعروبته أن يرى حقيقة لا تخف، ويجب ألا تخفى على أحد وهى أن البارجة الفرنسية المعتدية الغادرة لو أتيح لها أن تقهر بالأمس بورسعيد، فإنها غدًا ستقهر اللاذقية، وإن العدو واحد وأن الوطن العربى واحد أيضًا، وعندما وجد هذا الجندى المغوار نفسه إلى أحضان الخطر، كان على يقين كبير بأنه لا يدافع عن مصر وسوريا وحدهما، بل عن العروبة وسلامتها وسيادتها».
كان استشهاد «جول جمال» من التجليات السورية فى التضامن العظيم مع مصر فى هذه الحرب، ووفقًا لكتاب «البحرية المصرية من محمد على إلى السادات» تأليف «عبده مباشر» عن «الهيئة العامة للكتاب - القاهرة» فإنه فى مساء يوم 3 نوفمبر، قام سرب من لنشات الطوربيد من ميناء الإسكندرية بقيادة الصاغ بحرى جلال الدين الدسوقى لمهاجمة العدو، وسار السرب بسرعة حوالى 25 عقدة حتى بلغ مشارف بورسعيد فى الساعة الثانية والنصف صباح مثل هذا اليوم «4 نوفمبر 1956»، واستدار عائدًا وعند الفجر وعلى مسافة عشرة أميال شمال شرق فنار البرلس، شاهد أبطال السرب تجمعات لأسطول العدو مكونة من حاملة طائرات «جان بارت الفرنسية» وطراد وبعض المدمرات فوجه قائد السرب اللنشات للهجوم على سفن الأعداء، وأمر بإطلاق مجموعة من الطوربيدات أصابت على الأرجح طردًا ومدمرة، ويؤكد «مباشر» أن الهجوم كان سريعًا مفاجئًا جريئًا أعقبه انطلاق اللنشات عائدة، لكن طائرات العدو من فوق حاملة الطائرات هاجمت اللنشات بالصواريخ وانفجرت واحدة تلو الأخرى، واستشهد جميع أفراد السرب ما عدا ضابط واحد وسبعة أفراد انتشلوا من البحر أحياء.
وبالرغم من أن السفينة «جان بارت» لم يتم شطرها إلى نصفين، كما هو شائع، إلا أنها خرجت من الخدمة، ويصف كتاب «نضال شعب مصر» تأليف«محمد عبدالرحمن حسين» عن «دار الكتب والوثائق القومية - القاهرة» معركتها بـ«الرهيبة»، والشهداء هم «جلال دسوقى، جول جمال، إسماعيل عبدالرحمن، صبحى نصر، على صالح صالح، عادل مصطفى، محمد ياقوت عطية، جمال رزق الله، محمد البيومى زكى، مصطفى طبالة».
كان لمشاركة «جول جمال» من «مواليد اللاذقية 1 إبريل 1932» فى هذه المعركة وقع خاص، فحسب برنامج «صدى المواطنة» على الفضائية السورية، وفى حلقة خاصة عنه، فإنه ألح على قائد السرب الصاغ جلال الدين الدسوقى للمشاركة، ورفض القائد فى البداية لأن اللوائح العسكرية تمنع مشاركة غير المصريين، وتحت إلحاحه وقوله: «أنا فى الإسكندرية أشعر أنى فى اللاذقية» قبل الدسوقى.
جاء «جول» إلى الإسكندرية للدراسة فى الكلية البحرية ضمن بعثة تضم 11 سوريًا، ليحقق حلمه بأن يكون ضابطًا بحريًا، ولأجله ترك كلية الآداب فى سوريا ليلتحق بالدراسة العسكرية عام 1953، وتخرج فى «البحرية المصرية» فى مايو 1956 وكان الأول على زملائه السوريين، وقبل تخرجه أرسل إلى والده- طبيب بيطرى ومقاوم للاستعمار الفرنسى وقت احتلاله لسوريا - رسالة قال فيها: «إن شاء الله يا بيى بجى لعندكن ومن عيد سوى بعيد الميلاد ورأس السنة لأنى بكون تخرجت»، لكن العودة تأجلت كى يتدرب على معدات بحرية حديثة حصلت عليها مصر، غير أن الاستشهاد كان فى انتظاره، وحين تلقى أهل اللاذقية الخبر قامت عن بكرة أبيها، وتعالت أصوات تكبيرات المآذن، ودقت أجراس الكنائس لإقامة الصلاة على روحه الطاهرة، وأرسل الرئيس جمال عبدالناصر، قنصل مصر العام فى حلب جمال بركات إلى والده يوسف جمال ومنحه براءة النجمة العسكرية، ووجه عبدالحكيم عامر القائد العام للقوات المسلحة كلمة قال فيها: «إن مصر التى دافعت عن حريتها واستقلالها تسعى إليك اليوم فأنت فى دوح أمين فى رحاب كريم، لكى تقول إن الفكرة التى عشت من أجلها تزهو والدعوة التى استشهدت فى سبيلها تزدهر وتنتصر».