متى ولدت فكرة السلام بين مصر وإسرائيل لدى الرئيس السادات؟
هذا السؤال لابد أن يطرح نفسه بعد معرفة كل الحقائق المتعلقة بأول زيارة لوزير الخارجية الأمريكى هنرى كيسنجر إلى مصر واجتماعه بـ«السادات» يوم 7 نوفمبر 1973، والمعروف أن الزيارة بدأت بعد وقف إطلاق النار على جبهات القتال المصرية السورية ضد إسرائيل يوم 22 أكتوبر، وكانت القاهرة أثناء هذه الزيارة، حسب وصف محمد حسنين هيكل فى كتابه «أكتوبر 1973 - السلاح والسياسة»: «تعيش سياسيا فى جو أشبه ما يكون بأجواء مهرجان كبير يأخذ بمشاعر الناس دون أن يتيح لهم فرصة للتفكير».
بعد يومين من الزيارة، كان كيسنجر فى العاصمة الصينية بكين فى مثل هذا اليوم «9 نوفمبر 1973»، وفى وقائع الزيارة سنعرف جانبا مهما من «قصة السلام بين مصر وإسرائيل»، فحسب هيكل: «ألح ممثلو الصحافة الذين كانوا معه فى القاهرة أن يشرح لهم بالتحديد ما أمكن التوصل إليه فى أزمة الشرق الأوسط، وجلس كيسنجر بمقر إقامته فى بكين، ساعة ونصف الساعة، يشرح للوفد الصحفى المرافق له ما يظن أنه تحقق فى القاهرة».
ظهرت أقوال «كيسنجر» فى هذا اللقاء فى ملخص غير رسمى وغير مصرح بتداوله أو النقل عنه منسوبًا إلى صاحبه، بمعنى أن للصحفيين حق استعمال ما فيه من معلومات دون التزام بالنصوص، وبغير إشارة صريحة إلى القائل، وصدر المحضر الرسمى لهذا الإيجاز غير الرسمى عن مكتب وزير الخارجية بتاريخ 10 نوفمبر، وبمقدمة من المتحدث الرسمى ينبه الصحفيين إلى توخى الحذر فى النقل عنه.
بدأ كيسنجر بالقول فى هذا الاجتماع، إن ما حدث فى القاهرة يمكن تقسيمه إلى قسمين، الأول يمكن وصفه بـ«المستوى الاستراتيجى»، والثانى بـ«المستوى السياسى أو التكتيكى»، وعن المستوى الاستراتيجى قال: «مصر فى طريقها إلى سلام مع إسرائيل، ومع أن خطى هذا السلام بطيئة، فإن مجرد وضع القاطرة على القضبان الحديدية معناه أن القاطرة واصلة إلى نهاية الخط، والرئيس السادات من ناحيته لن يسمح لأحد أن يضع «كتل خشب بالعرض على القضبان»، وأنه بسير مصر على طريق السلام فإن إمكانية الحرب فى المنطقة انتهت، لأنه لا يمكن لأى دولة عربية أو تحالف بين عدد من الدول العربية أن يقبل مخاطر الدخول فى معركة دون مشاركة مصر».
أضاف «كيسنجر»: «الرئيس السادات قام باختيار استراتيجى رئيسى وعلق مصيره الآن بالولايات المتحدة الأمريكية، ولا يوجد فى مصر طرف أو معسكر يستطيع أن يقاوم هذا الاختيار، وإن الاختيار الاستراتيجى بالصداقة مع الولايات المتحدة سوف تستتبعه بالضرورة خيارات داخلية فى مصر، وهنا يكمن التحدى الذى قد يواجهه الرئيس السادات فى المستقبل، لكنه «أى كيسنجر» يعتقد أن فرص نجاح السادات كبيرة لأن الذى حدث هو أن سلفه «ناصر» حاول إحداث تغيرات جذرية فى المجتمع المصرى، وقد سمحت له الظروف بإسقاط الأوضاع القديمة، لكن القوى الجديدة التى كان يحلم أن يقيم عليها نظاما اجتماعيا جديدا لم تظهر بعد، ولم تتمكن من جعل قوتها فاعلة أو محسوسة فى الشؤون المصرية، وبالتحديد فى عملية صنع القرار، ومعركة السادات القادمة ستكون مع أصدقائه القدامى وليس أعداءه القدامى».
واصل كيسنجر: «غيبة احتمالات الحرب وبداية التحرك نحو السلام ستجعل استعمال سلاح البترول إجراء لا معنى له، لأنه أصبح بلا هدف يضغط من أجله، وإذا انتهى سلاح البترول الآن فسيختفى إلى الأبد»، ثم قال: «هذه الاعتبارات ستؤدى إلى نتيجة مهمة وهى فك التعبئة النفسية العامة ضد إسرائيل التى امتلأ بها الرأى العام العربى طوال حقب متلاحقة من الصراع، وهذا النوع من التعبئة إذا جرى فكه سيكون من المستحيل العودة عنه فى منتصف الطريق».
يؤكد هيكل، أنه بالرغم من إلحاح كيسنجر على حديثه للعلم فقط، فإن بعض النقاط تم تسريبها، ونسب «كيسنجر» هذا التسريب إلى الصحفى الأمريكى «مارفين كالب»، وحبكته النكتة فقال للناطق الصحفى باسمه «روبرت ما كلوسكى» إن «كالب» له نصيب كبير من صفات اسمه باللغة العربية كما تعلم فى القاهرة «يقصد كلب»، ووصلت الملاحظة إلى «كالب» فوقعت مشادة بينه وبين كيسنجر.