دعت منظمة "اليونسكو" إلى مراجعة النظرة القديمة المأخوذة عن العرق الإنسانى الأسود فى المصادر التاريخية القديمة والحديثة، أو ما أنتجته الآلة الإعلامية من أفكار عن السود بأنهم خاضعون للعبودية عبر التاريخ، وأكدت ضرورة إعادة النظر حول مفهوم العبودية (الرق) بشكل يمكن معه استعراض الدور الكبير للعرق الأسود فى الحضارة والثقافة العالميين.
جاءت هذه الدعوة خلال الندوة الرابعة والأخيرة لليونسكو التى أقامتها ضمن مشاركتها فى معرض الشارقة الدولى للكتاب، تحت عنوان "الذاكرة والتراث المشترك: التفاعلات الثقافية على طول طريق الرق"، قدمها الدكتور صلاح طرابلسى، أستاذ التاريخ والدراسات العربية، عضو اللجنة العلمية الدولية لمشروع طريق الرق التابع لليونسكو، وحاوره فيها الدكتور على موسى.
واستهل موسى الندوة بالحديث عن تاريخ الرق، والتساؤلات الكثيرة المترتبة على بقائه إلى الآن فى مناطق متفرقة من العالم على الرغم من أنه مُجرّم دينيًا وقانونيًا فى جميع البلدان، مبينًا أنه من الضرورى معرفة الأدوار التى قام بها السود فى الحضارة العالمية، لا سيما أنها لا تزال مجهولة، ويحيطها الكثير من الغموض.
وبيّن الدكتور على موسى، أن البحوث والدراسات المتعلقة بموضوع الرق والعبودية، تتفادى استخدام مصطلح "عَبْد" إلى مصطلح "مُستَعبَد" لأن الأول يدل على أن العبودية أمر طبيعى وليس مفروضاً نتيجة ظروف قاهرة.
واستغرب الدكتور صلاح طرابلسى نظرة المؤرخين والكتّاب إلى قضية السود فى أعقاب أول ثورة تاريخية لهم، وهى ثورة الزنج فى البصرة، وإظهارهم العرق الأسود أنه عرق خطر، ثم انتقلت تلك العدوى إلى الكثير من المصادر التى ضخمت القضية، ومنعت تسليط الضوء على السود وإسهاماتهم الواسعة فى عملية التبادل الثقافى العالمى.
وأكد طرابلسى أن دول العالم تعقد سنوياً نحو 150 اجتماعاً لبحث قضايا الرق والعبودية بينها اجتماعات فى الولايات المتحدة، والمملكة المتحدة، وفرنسا، وألمانيا، وليس بينها اجتماعاً واحداً فى المنطقة العربية، وأنه حان الوقت للالتفات إلى هذه القضية المهمة، ومراجعة أساليب التربية والثقافة والتعليم لغرض منحهم المكانة التى يستحقون.
وضرب الدكتور صلاح طرابلسى مجموعة من الأمثلة على شخصيات من السود كانت لها بصمات تاريخية عدة، كما ضرب أمثلة ببعض المراجع العربية التى أعطت للسود حقوقهم، على سبيل المثال ابن خلدون فى "المقدمة"، والجاحظ فى كتابه "فخر السودان على البيضان"، وذلك بعرض إسهاماتهم فى مجالات الزراعة، وصيد اللؤلؤ، والحرف اليدوية، والعمل العسكرى، والخدمة، والفكر والثقافة، وغيرها.
ودعا حاضرون فى الندوة خلال مداخلاتهم اليونسكو إلى ضرورة توسيع مفهوم العبودية، والتطرق إليها لا بكونها فقط تلك القوة القهرية التى أقامها البيض على السود، وإنما بما يتناسب مع العصر الحاضر، مثل العبودية الثقافية، والتقنية، والصناعية، وغيرها، من أجل تحقيق أشمل لأهداف اليونسكو المتمثلة بتقريب الصلات بين البشر، وإدامة إسهاماتهم فى الحضارة بغض النظر عن انتماءاتهم وأجناسهم وأفكارهم.