برحيل الأستاذ الدكتور محمد عبد الحليم أحمد نور الدين عالم الآثار المصرى الأبرز وأستاذ الأساتذة فى علم المصريات وتاريخ وحضارة مصر والشرق الأدنى القديم فى صبيحة السادس عشر من نوفمبر عام 2016 عن عمر يناهز الثلاثة والسبعين عاماً بعد صراع مع المرض، يغيب عن ساحة العلم والعلماء واحد من أبرز جيل الرواد والآباء المعلمين وأهم العلماء المصريين المؤسسين لعلم المصريات وتاريخ وحضارة مصر والشرق الأدنى القديم فى مصر والعالم العربى والعالم أجمع.
وُلد الأستاذ الدكتور محمد عبد الحليم أحمد نور الدين فى الأول من يوليو عام 1943 فى قرية الرملة فى مركز بنها فى مديرية القليوبية. وحصل على ليسانس الآثار المصرية القديمة بتقدير عام جيد جداً مع مرتبة الشرف فى قسم الآثار المصرية القديمة فى كلية الآداب جامعة القاهرة فى عام 1963. ثم حصل على درجة الماجستير فى نفس الجامعة فى عام 1966. ثم سافر للحصول على درجة الدكتوراه فى الآثار المصرية القديمة فى جامعة ليدن الهولندية فى عام 1974 متخصصاً فى أحد خطوط اللغة المصرية القديمة الصعبة، وهو الخط الديموطيقى (الخط الشعبي). ثم حصل على زمالة الآثار من جامعة كمبرديج البريطانية فى عام 1980.
وبدأ حياته الأكاديمية معيداً بقسم الآثار المصرية القديمة فى كلية الآداب فى جامعة القاهرة فور تخرجه منها فى عام 1963. وصار مدرساً بكلية الآثار بجامعة القاهرة فى عام 1974 عقب حصوله على درجة الدكتوراه وعودته من بعثته فى هولندا. وفى عام 1979، عمل كأستاذ زائر فى معهد البردى فى جامعة ليدن الهولندية. وفى عام 1980، أصبح أستاذاً مساعداً فى قسم الآثار المصرية بكلية الآثار فى جامعة القاهرة. وفى الفترة من عام 1982 إلى 1986، عمل رئيساً لقسم الآثار بكلية الآداب بجامعة صنعاء فى اليمن. وفى عام 1986، أصبح أستاذاً بقسم الآثار المصرية بكلية الآثار فى جامعة القاهرة، ثم وكيلاً لكلية الآثار بجامعة القاهرة فى الفترة من 1988 إلى 1993، ورئيساً لقسم الآثار المصرية من عام 1996 إلى 2002 بنفس الكلية، وعميداً لكلية الآثار جامعة القاهرة فرع الفيوم فى الفترة من 2000 إلى 2005. وكان آخر منصب أكاديمى وإدارى يشغله عمادة كلية الآثار والإرشاد السياحى بجامعة مصر للعلوم والتكنولوجيا فضلاً عن كونه أستاذ غير متفرغ بكلية الآثار فى جامعة القاهرة.
وفى الناحية العملية، شغل الراحل الجليل عدداً كبيراً من المناصب التنفيذية المهمة فى مصر وخارجها مثل رئاسة وتأسيس قسم الآثار بجامعة صنعاء ومتحف الآثار بنفس الجامعة، ورئاسة قطاع المتاحف ورئاسة هيئة الآثار المصرية بالإنابة فى عام 1988، ثم رئاسة هيئة الآثار المصرية والأمانة العامة للمجلس الأعلى للآثار المصرى فى الفترة من 1993 إلى 1996 ليكون بذلك آخر رئيس لهيئة الآثار المصرية وأول أمين عام للمجلس الأعلى للآثار المصري. ورأس اللجنة الوطنية للمتاحف المصرية، واللجنة الوطنية للحفاظ على التراث الثقافي، والمنظمة العربية للمتاحف، وكان أول رئيس لها فى الفترة من 1995 إلى 2001، وكان عضواً باللجنة الاستشارية للمجلس الدولى للمتاحف (أيكوم)، وعضواً بالمجلس التنفيذى به، ومديراً لمركز الخطوط بمكتبة الإسكندرية.
وفى مجال الأعمال الميدانية والمسح الأثرى والحفائر الأثرية، كشف عن عدد من المومياوات اليمنية القديمة فى مقابر صخرية بمنطقة "شبام الغراس"، بجنوب شرق صنعاء باليمن، وأجرى دراسات ميدانية ومسحاً أثرياً لبعض المواقع الأثرية القديمة فى اليمن مع المساهمة فى إعداد وتطوير متاحف اليمن، ورأس بعثة الحفائر المشتركة بين جامعة القاهرة وجامعة مينونيخ الألمانية فى منطقة تونة الجبل فى محافظة المنيا فى مصر الوسطى.
وكان عضواً فى الجمعية التاريخية المصرية، ومجلس إدارة بحوث البردى بجامعة عين شمس، ومعهد البردى بجامعة ليدن، والمؤتمر الدولى للآثار المصرية بباريس، والمجمع العلمى المصري، والمجلس الأعلى للثقافة المصري، وجمعية الآثار المصرية بلندن، المؤتمر الدولى لعلم البردى ببروكسل، والجمعية الدولية لعلماء المصريات، وكان رئيس اللجنة المصرية لإنشاء المتحف المصرى الكبير، ورئيس مؤتمر الدراسات الديموطيقية، ورئيس لجنة اليونسكو للحفاظ على هضبة الأهرام بالجيزة، وعضواً بمجلس إدارة المعهد الآثار الألماني، وغيرها الكثير.
وأشرف وناقش عدداً كبيراً من رسائل الماجستير والدكتوراه فى كليات الآثار والسياحة والفنادق والفنون الجميلة والفنون التطبيقية والتربية وأقسام الآثار والتاريخ القديم والإرشاد السياحى بالجامعات المصرية والعربية والأجنبية ويزيد عددها عن 350 رسالة. وتتملذ على يديه عدد كبير من علماء الآثار والآثاريين وأساتذة الجامعات والمرشدين السياحيين وطلبة الآثار والتاريخ والفنون الجميلة والفنون التطبيقية والتربية وغيرها فى كل مراحل التعليم الجامعية وصولاً إلى درجة الأستاذية.
وكان رحمه الله نشيطاً للغاية فى الإعلام ومحافظاً ومدافعاً شرساً عن مصر وآثارها فى كل المحافل المحلية والدولية. وكتب عشرات المقالات عن قضايا الآثار فى الصحف المصرية والعربية والعالمية. وأسهم بشكل كبير وفعال فى نشر الوعى الأثرى بين جموع المصريين من خلال كتاباته ومحاضراته وحواراته وأحاديثه الإذاعية والتليفزيونية والصحافية لوسائل الإعلام المختلفة فى الداخل والخارج.
وألف وأشرف على عدد من الكتب التعليمية لطلاب مراحل التعليم المختلفة مثل تحريره لمنهج التاريخ للصف الرابع الإبتدائى والصف الأول الإعدادي. وكان عضواً مؤثراً بلجنة إعادة النظر فى مناهج التاريخ بالمدراس بوزارة التربية والتعليم المصرية، مما كان له أبلغ الأثر فى وصول المعلومة التاريخية والأثرية فى صورة صحيحة ومبسطة لطلاب المدراس المصرية مما جعل مادة التاريخ مادة سهلة ومحببة للطلاب بعد أن كانت جافة وصعبة. وكذلك شارك فى تحرير والإشراف على عدد من الموسوعات العامة والمتخصصة عن التاريخ والآثار والجيش المصرى القديم ومصر الحديثة وغيرها.