واصلت الحكومة اجتماعها بمكتب رئيسها «أحمد زيور باشا» حتى الساعة العاشرة مساء السبت، «مثل هذا اليوم 5 ديسمبر 1925»، كانت تراجع معاهدة تسليم «واحة جغبوب» إلى إيطاليا باعتبارها دولة احتلال لليبيا، والتى سيتم التوقيع عليها فى اليوم التالى «6 ديسمبر» بحسب «أحمد شفيق باشا» فى «حوليات مصر السياسية - الحولية الثانية 1925» عن «الهيئة العامة للكتاب - القاهرة».
فماذا عن هذه الواحة، التى خرجت من الحدود المصرية لتنضم إلى ليبيا، واعتبر الكاتب الصحفى محسن محمد أن ما حدث معها هو سرقة، وألف كتابًا عنها اسمه «سرقة واحة مصرية» عن «كتاب اليوم - أخبار اليوم - القاهرة».
كانت مصر وليبيا تابعتين لتركيا «الدولة العثمانية»، وبالتالى لم يكن هناك ما يدعو إلى تعيين حدود بينهما، وطبقًا لـ«سرقة واحة مصرية»: «عين محمد على حاكمًا على واحة جغبوب وفرض الضرائب على سكانها لأنها جزء من أرض مصر فى صحرائها الغربية، وفى الخريطة المحفوظة بالمتحف البريطانى فى لندن توجد جغبوب كجزء من أرض مصر، وهذه الخرائط وضعت بين عامى 1770 و1860.
«هى واحة صغيرة تقع شمال غرب سيوة تبعد عنها بنحو 125 كم وبينها وبين السلوم نحو 240 كم، وتقع فى منخفض الطرق الصحراوية إلى البحر بين مرسى مطروح والسلوم، ويمتد هذا المنخفض الذى تقع فيه واحة سيوة 150 كم، وتربطه بساحل البحر المتوسط بين مرسى مطروح والسلوم طرق كثيرة، وهذا يبين أهميتها إذا جاء هجوم على مصر بطريق هذا المنخفض».
فى تاريخها أن «محمد بن على السنوسى الخطابى الحسن الأدريسى» المعروف باسم «السنوسى الكبير» نزل فيها، وهو من سلالة «الأدارسة» ومن أحفاد على بن أبى طالب، وصاحب الدعوة السنوسية للإصلاح الدينى والاجتماعى، وأنشأ فيها الزوايا كمراكز لبث الدعوة والإرشاد الدينى والاجتماعى، وفى كتابه «السنوسية دين ودولة» عن «دار الفكر العربى عام 1948» يؤكد مؤلفه الدكتور محمد فؤاد شكرى أن الطليان أدركوا أهمية هذه الواحة لأنها أحد مراكز السنوسية الكبيرة، ومن الناحية الاستراتيجية تعد مدخلًا هامًا من مداخل برقة، ويستطيع السنوسيون أن يشرفوا منها على أعمال الجهاد وأن يمدوا قوات المجاهدين بما يحتاجونه من نجدات، ولذلك قرر الطليان الاستيلاء عليها، ولما كانت من الأراضى المصرية فكروا فى تذليل العقبات، ودارت العجلة حول ذلك بعد انتهاء الحرب العالمية الأولى عام 1918 وبدت أطراف «الحرب» فى السعى لتمكينها /أكثر فى مستعمراتها، وكان الإيطاليون ممن يسعون إلى ذلك، فضغطوا لتعديل الحدود الليبية المصرية.
بدأت المفاوضات حول ذلك بين بريطانيا وإيطاليا دون استشارة مصر، ووفقًا لـ«محسن محمد» فإن بريطانيا أرادت منح «جغبوب» لإيطاليا مقابل أن تعدل عن المطالبة بمستعمرات فى آسيا الصغرى، كما رغبت بريطانيا فى اعتراف إيطاليا بالحماية البريطانية على مصر، وطبقًا لهذه الأهداف دارت عجلة المفاوضات لاقتطاع جزء من أرض مصر تضمه إيطاليا إلى مستعمراتها، وتوافق عليه بريطانيا التى تحتل مصر.
وحسب «شفيق باشا»: «ألحت إيطاليا فى إنهاء مسألة الحدود الغربية فى إجراء مفاوضات بشأنها عاجلة، ولذلك انتخبت الحكومة المصرية لجنة ولت رئاستها لحضرة صاحب المعالى إسماعيل صدقى باشا، وأرسلت الحكومة الإيطالية لجنة للمفاوضة، برئاسة المركيز نجريتو كامبيازو»، وجرت مفاوضات بين اللجنتين، فطرحت اللجنة المصرية أن كل الخرائط القديمة تؤكد دخول جغبوب ضمن الحدود المصرية، وأن إنشاء جغبوب فى أواخر النصف الأول من القرن التاسع عشر كان أكثره بأموال مصرية، وأنفق الخديويون مبالغ كبيرة على الزاوية والمقام الموجودين هناك وعلى أعمال الحفر التى عملت للمياه، وأضافت اللجنة أن إنجلترا نفسها اعترفت فى مدة الحرب «العالمية الأولى» فى صك رسمى يدعى «معاهدة شاليوت» بأن «جغبوب» تابعة لمصر، وهذه المعاهدة عقدتها بريطانيا مع السنوسيين».
أما حجة الإيطاليين - طبقًا لشفيق باشا - فكانت «أنهم ورثة الأتراك فى ولاية طرابلس وجغبوب ضمن هذه الولاية، ولم يبد المصريين فى أى وقت من الأوقات ما يدل على أنهم يعدونها ملكا لهم، فلم يزرها حاكم مصرى، ولم يجمع منها ضرائب ولم يقم فيها أى شىء من أدوات التقاضى».
هكذا دارت المفاوضات وتعقدت، ثم تسهلت حتى الاتفاق على تنازل مصر عن «جغبوب» يوم 6 ديسمبر 1925، وللحدث بقية.