صدر عن المؤسسة العربية للدراسات والنشر العمل الروائى الجديد للكاتب والإعلامى السورى المقيم فى ألمانيا إبراهيم الجبين، بعنوان "عين الشرق ـ هايبرثيميسيا 21". رسم له الغلاف الفنان السورى يوسف عبدلكى.
"عين الشرق" هى الرواية الثانية للكاتب، بعد "يوميات يهودى من دمشق" التى أثارت الكثير من الجدل بسبب تناولها لموضوعين اعتبرا حين صدورها فى العام 2007 من المواضيع المحرمة، يهود دمشق، وعلاقة قادة تنظيم القاعدة مع الأجهزة الأمنية السورية.
وكان أبو القعقاع السورى أحد أبطال "يوميات يهودى من دمشق" قد اغتيل فى حلب، بعد ستة أشهر من صدور الرواية، بعد أن كان مقرباً من السلطة فى دمشق، وعرف عنه دوره المبكر فى تصدير المجاهدين عبر الحدود السورية، وتأسيس ما بات يعرف لاحقاً باسم "الدولة الإسلامية فى العراق والشام".
لا تكاد الرواية تخلو من مقاطع تعكس مناخ دمشق وشوارعها فنقرأ على لسان الراوى "ما زلتُ أمشى فى دمشق، الشوارع تتغير كل لحظة أمام عينى، تتبدل الأزمنة، تختفى مبانٍ وأخرى تعلو شاهقة، تظهر تلالٌ، وتتدفق أنهار، وتتكسر جسور، وتمتد أخرى. تشتعل حرائق، ويندفع شجر سريع النمو. أمشى الطريق من القنوات، منحدراً نحو الحلبونى، أرصفة باعة الكتب، والجامعة القديمة، طاحون ماء هائل يرتفع فى أرض منبسطة على ظهر التلة، رائحة البارود العثمانى تفوح من ثكنة صارت جامعة فى ما بعد، بستان مسوّر، تقف فيه الأشجار العالية، تميل مع الشمس، وتميل مع هواء بردى".
يقول إبراهيم الجبين عن روايته الجديدة: إن دمشق التى سمّاها الرومان "عين الشرق" تختزل المشرق كلّه، وفيها تدور كل القصص السرية، من اليومى البسيط، إلى المخططات الكبرى التى عادة ما تغيّر وجه المنطقة، وفى هذه الرواية، رصدتُ يوميات عشتُها فى دمشق، ما بين الخيال والواقع، وربما بهما معاً، وقد لا أميز مرات، أى منهما هو الواقع، الخيال أم الواقع ذاته، مبدتئاً من مدن سورية عديدة، أشخاص قدموا من ثقافات عديدة، محملين ببضائعهم الإنسانية والوحشية معاً، فاخترقوا عوالم الفكر والأدب والفنون، مغرقين المدينة فى التهتك، مواصلين رجم المجتمع السورى العريض الذى اشتهر بتعدده وبساطته وتعقيده فى الوقت ذاته، وهو ذاته المجتمع الذى سمّاه النظام السورى لاحقاً "البيئة الحاضنة للإرهاب" مبرراً كل أشكال الإبادة التى طبقها على سكّانه فى مدنه وأريافه.
شخوص الرواية تعبر الأزمنة المتراكمة على الأرض السورية، من أبطالها ابن تيمية سجين قلعة دمشق الأبدي. والرئيس المستبد العجوز معزولاً فى غيبوبته، تركة الأميرعبدالقادر الجزائرى فى دمشق والعالم، كاسر وعبد الله أوجلان وسلمى المكونة من خليط من روزموند بايك ومونيكا بيلوتشى، ستناى الشركسية فتاة الليل التى تعتد بجدها المدفون فى أحد جوامع دمشق، قصص حب وكراهية، شاعر تحول إلى بائع نحاس وشعراء آخرون ذبحهم داعش، مظفر النواب فى أصعب أيامه فى دمشق قبل أن يتآكله الباركنسون، شاعر مولع بالتصوير الفوتوغرافى فى طريقه من القامشلى إلى المنفى البعيد، حنا يعقوب القادم من ماردين فى تركيا، مؤسس المدرسة السريانية الأولى فى عامودا وحفيده الذى سيعرفه الجميع بعد سنوات، شاعر دمشقى بجناحين وشقيقه البعيد فى بيروت وأصقاع الأرض، يوميات السجن وظلام لياليه وعلاقات المعتقلين بعضهم ببعض.
تبدأ الرواية بعلاقة جمعت الراوى مع رسام عجوز فى مرسمه فى التكية السليمانية فى دمشق، مهووس بجمع الأشياء القديمة، كان قد عمل فى الشعبة الثانية (المخابرات السورية) فى الخمسينيات، وأطلق بيده رصاصة الرحمة، كما يقول، على الكثيرين من معارضى السلطات التى حكمت سوريا وبلاد الشام.
صور شتى فى رواية "عين الشرق"، وملل ونحل من مشارق الأرض ومغاربها تلامحت وجوهها فى الازقة قديمة ومحدثة، لكن البطل هو المدينة. دمشق، فهى "عين الشرق".
كثيرون سيعرفون أنفسهم فى "عين الشرق"، ولربما تغيرت، أحيانا، أسماء وملامح، إلا أن اللحظة الطويلة التى سبقت انفجار الجسد السورى، لم تكن بلا مقدمات ولا أبطال ساهموا فى زيادة تلك التضاريس وعورة، وكانوا من بين أسباب كتابة هذه الرواية.