فتحت الصحف المصرية النار على حكومة «زيور باشا» لتنازلها عن «واحة جغبوب» لـ«برقة الإيطالية» باتفاق وقعته مع إيطاليا يوم 6 ديسمبر 1925.
كانت إيطاليا تحتل ليبيا، فتم التوقيع معها على الاتفاق، وكانت بريطانيا تحتل مصر فلعبت من وراء الستار الدور الرئيسى لإتمامه «راجع ذات يوم 5 ديسمبر و6 ديسمبر»، وحرص «زيور باشا» على إخفاء موعد توقيع الاتفاق عن المصريين، خوفا من مشاعر الغضب الوطنية، حسب تأكيد محسن محمد فى كتابه «سرقة واحة مصرية» عن «كتاب اليوم - أخبار اليوم - القاهرة»، ولما تسرب الاتفاق إلى الصحافة فتحت النار، وكان المقال الذى كتبه «أحمد وفيق» فى جريدة «الأخبار» لسان حال الحزب الوطنى يوم 7 ديسمبر 1925 «مثل هذا اليوم» مفتتحا فى ذلك.
كتب «وفيق» مقاله بعنوان «ماتت جغبوب.. لتحيا جغبوب.. هو الحى الباقى»، وقال فيه: «اليوم دك الغاضبون حصنا من حصون مصر، اليوم بتروا عضوا حيا من جسم مصر، سيبقى أبد الدهر يقطر دما تتلون أيديهم، اليوم يكفنون واحة جغبوب، اليوم يشيعونها إلى القبر، ولكن هذا القبر سيستمر مفتوحا، سيستمر ينضح دماء وصديدا يفيض عن يمينه وشماله، ويفور فى الأرض فلا تروى، ويتصاعد إلى عنان السماء صارخا إلى الله أن ينزل على الغاصبين رجزه، ويوقع عليهم عذابه باقيا أبدا رمزا للجريمة الكبرى التى اقترنت والبلبلة العظمى التى بمصر نزلت ولا تزول ولا تحمى إلا بعودتها للوطن الأصلى».
اتهم «وفيق» الوزارة بأنها ارتكبت جريمة: «أتمت الوزارة هذه الجريمة فى جنح الليل، فقد استلت خناجرها وبيتتها فى قلب مصر، ثم بترت هذا العضو فى الساعة الثامنة من مساء أمس، واغتصبته اغتصاب الغاصبين وقطاع الطرق فى العصور الوحشية، وسلمته هدية لإيطاليا مقابل عدة أمتار من الرمال والأوحال، وثب مرتكبو الجنايات ممن يسمون أنفسهم بـ«الاتحاديين» إلى الحكم «حزب الاتحاد برئاسة أحمد زيور باشا» وهم بلية على البلاد، إنهم كانوا منذ نشأتهم الأولى قوما بورا للوطن ومدافن وقبورا، وهم يقولون فى تبجح وصفاقة إن لهم برنامجا وإن لهم سياسة وإن لهم كرامة وشرفا، هل أتموا جريمتهم ببتر جغبوب وفق سياسة الحرص على أراضى الدولة؟ هل راعوا الذمة والضمير والكرامة والشرف بتقطيع أوصال الدولة؟».
واستطرد «وفيق»: «تسلم الوزارة هذا التسليم الإجرامى، وتسلم الوزارة مفاتيح الدفاع عن مصر وتسلم قلاعها وحصونها ثم تبقى فى مراكزها لتتم النقمة على البلاد وتفرغ ما تبقى من مكائدها وتفريطها فى حقوقها، أين ماء الحياء وأين الخجل السياسى من الفحش؟ أين الشرف المعصوم من التدهور الوطنى الملطخ الملثوم؟ إن جغبوب لم تمت، ومحال أن تموت، وإنما هى فصلت إلى حين، إننا ننادى بعقد مجلس النواب لاتخاذ ما يرى لدرء هذه الكارثة، فى ذمة الله ياجغبوب إلى يوم محاسبة الجناة حسابا عسيرا فى وديعته».
وكتب عبدالرحمن عزام «أول أمين عام جامعة الدول العربية 22 مارس 1945» مقالاً فى صحيفة الأهرام، قال فيه: «لقد وعد الإنجليز حلفاءهم بالجغبوب مقابل الحرب وأسلابها، فما عليهم إلا أن يأخذوها من يد الحليف، أما نحن فلنا الكثير من المطالب القومية فى الجغبوب وغيرها يجب أن يبقى لنا لندركه أو نوصى الأبناء بإدراكه، وأعجب من كل ما تقدم وأمعن فى التحقير لهذه الأمة أن يقال إن الطليان سيتكفلون بصدد الغارة عن حدودنا الغربية، فإذا كانت الأمة المصرية لاتزال تتلظى من دعوى الإنجليز حق الحماية ضد أى تعد عسكرى عليها فإنه الأجدر بنا أن نحترق قبل أن نسأل الطليان هذه الحماية، لقد تلاشى مع تلاشى جغبوب من خريطة المملكة المصرية، الأمن والسلام».
وفتح عباس العقاد النار على الحكومة فى أكثر من مقال، وفى مقال بعنوان «الماء يكذب الغطاس» قال: «الحكومة تظن أن تسليمها الشائن فى واحة جغبوب يمد لها الأمل فى البقاء إلى أن يأتيها الفرج القريب، وستعلم الآن أن هذا التسليم نذير الموت، لا بشير الحياة»، وفى مقال بعنوان «جريمة جغبوب» قال: «وقعت الوزارة معاهدة التسليم فى جغبوب، وحملت هذه التبعة على التبعات الخطيرة الكثيرة التى حملتها من قبل بغير مبالاة ولا تبكيت ضمير».