فى أسلوب متفرد مزج خلاله بين الحب والأسطورة، الحاضر والتاريخ، والحضور بالغياب دائم، يسرد لنا الكاتب أحمد جاد الكريم فى روايته "أحزان نوح" - روايته الثانية بعد "ليالى السيد" - حكاية "نوح" الذى يهديه شخص ما مخطوطاً، فيقرر مدفوعًا بذلك النداء المجهول للانسلاخ من عالمه والتوجه للصحراء.
وكان نوح يتبع ذلك النداء الصارم متخلياً عن قواعده وراحته فى سبيل عذابه المحتوم والمقدر عليه طبقا لامتلاكه ذلك "المخطوط"، الذى قلب حياته رأساً على عقب.
ومع تعمق القارئ فى صفحات الرواية، يجد نفسه فى عمق الصحراء حيث يشتد الصراع بين الإنسان والطبيعة البكر، الصحراء بمفرداتها القاسية والموغلة فى النفس مثل شريان حياة قلق، و"نوح" بفطرته مدفوعاً بألمه وعشقه وتضحياته من أجل المعرفة التى كتب عليه حملها.
لم يهب أحمد جاد الكريم لبطله "نوح" عينا لكنه منحه حسا، فـ"نوح" هنا هو السليل لبروميثيوس سارق المعرفة، والذى عاقبه الإله "زيوس" بصلبه على الصخرة وتحمل الألم والنسر يأكل من كبده، وكلما فنى الكبد نبت له كبدا جديدا لتمتد لعنته وتدوم، نوح هو حامل "اللعنة/المعرفة"، ولأن المعرفة هنا شمولية فاستمراريتها باقية بعذاب الإنسان عبر أنينه اليومي، وكبده هنا هو شقاؤه الذى يتجدد يوميا عبر صحراء شاسعة مترامية لا يهدأ فيها قلبه الملعون بالحب والاغتراب.
عبر مفردات أتقن أحمد جاد الكريم توظيفها، ورؤية أجاد نحتها ولغة برع فى تشكيلها يكمل سيرة بطله الشقى "نوح"، الذى يتمسك بالنار / الرمز كأنها المكمل لحالته، حتى يذوب "نوح" فى مفردات الصحراء ويصبح مفردةً من تلك المفردات وخيطا من ذلك النسيج الكبير.
جدير بالذكر أن رواية "أحزان نوح" فازت بجائزة المجلس الأعلى للثقافة، وصدرت عن دار إبداع للنشر والتوزيع، وهى الرواية الثانية للكاتب أحمد جاد الكريم بعد روايته "ليالى السيد".