استدعى الرئيس السادات وزير خارجيته إسماعيل فهمى، ولم يطلب منه الجلوس لتلقى التعليمات الرئاسية، وقال له: «قل لكيسنجر»، وزير الخارجية الأمريكية، عند مجيئه إننى اتفقت مع الرئيس الأسد على أن خطوط فصل القوات يجب أن تكون مرسومة على الخرائط بوضوح قبل مؤتمر جنيف، وإلا فإننا لن نذهب إلى جنيف».
جاء الاستدعاء أثناء اجتماع الرئيس السادات بنظيره السورى حافظ الأسد، فى قصر القبة فى مثل هذا اليوم «10 ديسمبر 1973»، حسب كتاب «الأسد - الصراع على الشرق الأوسط» تأليف «باتريك سيل» عن «شركة المطبوعات للتوزيع والنشر - بيروت» مضيفًا: «ذهب السادات إلى الأسد فى قصر القبة، حيث يقيم لكى يهدئ من مخاوف الأسد بأنه - أى السادات - يتحرك وحده فقد تعهد بألا يحضر مؤتمر جنيف إلا إذا وعد كيسنجر بانسحاب إسرائيلى كبير وملموس على الجبهتين السورية والمصرية معًا، ودافع السادات عن وجهة نظره بالقول إن جلسة المؤتمر الافتتاحية ستكون قصيرة وشكلية بسبب اقتراب موعد الانتخابات الإسرائيلية، «التى كان مقررا إجراؤها فى ديسمبر 1973، وأن المفاوضات قد تطول وتمتد إلى مطلع العام الجديد «1974»، ولذلك فإنه من الأفضل لسوريا ومصر أن تسترجعا أكبر مساحة ممكنة من الأراضى حتى قبل الذهاب إلى جنيف»، ويتذكر «الأسد» لـ«باتريك سيل»، أن السادات استدعى وزير خارجيته إسماعيل فهمى ليشهد على تعهده هذا وكأنه يريد وضعه فى وثيقة مسجلة.
يعلق «سيل»: «ظن الأسد وهو مرتاح أن سوريا ومصر قد عادتا إلى التناغم المنسجم، ولكنه كان سيصدم بسرعة بأن الواقع غير ذلك، فبعد ثلاثة أيام من زيارته لمصر كان كيسنجر يجلس إلى جانب السادات، وبمجرد أن غادر مصر لم يكن قد بقى شىء من تلك الفرضيات، إذ سرعان ما أقنع كيسنجر، السادات بأنه لا يمكن أن تكون هناك خطوط على خرائط فى هذه المرحلة، بل بيان بالمبادئ العامة فقط، وبعبارة أخرى، لا يمكن حدوث انسحاب إسرائيلى قبل جنيف ولا التزام مفصل بالانسحاب، وبدلًا من أن يدافع السادات عن موقف مصرى سورى مشترك، فإنه على عكس ذلك تمامًا، أكد لكيسنجر بأنه سيذهب إلى جنيف بدون الأسد إذا دعت الضرورة».
جاءت زيارة «الأسد» إلى القاهرة فى مناخ سياسى عام يصفه محمد حسنين هيكل فى كتابه «أكتوبر 1937 - السلاح والسياسة»: «كان كيسنجر يركز جهده على أزمة الشرق الأوسط، كانت عينه عليها من زمن، وواتته الفرصة أخيرًا، وقد اكتشف أن أبواب القاهرة مفتوحة على مصراعيها نتيجة لأن الرئيس «السادات» كان مقبلًا بغير موانع ولا حدود، وطبقًا لـ«هيكل»: «لم يكن الرئيس السادات مستعدًا لأن يمضى فى طريق الصلح المنفرد قبل أن يخلى مسؤوليته على الأقل مع طرفين رئيسين فى العالم العربى، أولهما، الرئيس حافظ الأسد وسوريا، وثانيهما، ياسر عرفات ومنظمة التحرير الفلسطينية» ويضيف «هيكل»: «كان الرئيس الأسد فور عمله بالاتفاق على مؤتمر للسلام، اندفع مع موجة من التصريحات الصحفية ترفض الفكرة، وتعلن مقاطعته».
وكتب «الأسد» إلى السادات رسالة قال فيها: «إننى لا أرى فى الأمر ما يبعث على التفاؤل فى ذهابنا إلى مؤتمر السلام من حيث إنه سيحقق تطلعاتنا العادلة، ويبدو لى من خلال موقف بعض الدول الكبرى، ومن خلال تصرفات وتصريحات المسؤولين فى إسرائيل، التى مازال طابعها الصلف والتكبر الفارغان، أنه ليس من حقنا أن نعلق آمالا كبيرة على هذا المؤتمر، وقد يكون علينا أن نعيد النظر لموقفنا منه، ولا أعنى أن نرفضه مباشرة طالما أننا قبلنا بالقرار رقم 338، بل إن نتمسك بتنفيذ القرار ككل، فالقرار نص فى مادته الثانية على التنفيذ الفورى للقرار رقم 242 القاضى بالانسحاب، ونص أيضًا فى مادته الثالثة على البدء فورًا فى بالاتصال لعقد مؤتمر السلام، فلماذا نعمل من أجل المادة الثالثة ونتجاوز المادة الثانية؟، أرى ألا نذهب لمؤتمر للسلام قبل البدء بتنفيذ الانسحاب طبقا للمادة الثانية.
رد السادات: «الهدف من المؤتمر هو تنفيذ القرار رقم 338، والاتجاه كان دائما هو أن ينظر إلى القرار ككل أى ينفذ فى جميع بنوده، وبذا فإن الانسحاب إلى خطوط 4 يونيو 1967 سيكون من الأمور، التى سيبحثها المؤتمر، وبالتالى لا يمكن تحقيقه قبل بدء المؤتمر».